التفسير بمثابة الترجمة عن ذلك اللفظ ، الذى جاء به القرآن ، بلفظ آخر يكون أيسر للفهم ، وأبين للمعنى من نفس اللغة.
أما الترجمة ، فهى بيان معنى اللفظ بلفظ أخر من لغة آخرى. وكما لا بد للمترجم من متابعة لفظ الأصل ، لا بد للمفسر من متابعة ذلك اللفظ وبيانه بلفظ آخر.
فإذا كان ذلك كذلك ـ كان المفسر للقرآن متابعا لألفاظه وجمله بيانا لمفرداتها ، ثم جمعا لتراكيبها. ومن هذين المقصدين ، وذينك الغرضين ، يصل الإنسان إلى المعنى المراد من تراكيب القرآن الكريم.
ولما كان القرآن ترتيبا خاصا من حيث التلاوة ، ونظما مميزا من حيث الصياغة والكتابة ، وكان هذا الترتيب ، وهذا النظم له اعتبار من التعبّد بتلاوته ، وحصول الثواب من قراءته .. فقد دأب المفسرون منذ نزول القرآن على متابعة ألفاظه وجمله ، متابعة لا تخرجه عن نظمه فى التلاوة ، ولا عن وضعه الثابت فى المصحف ، بل إنهم حرصا على ذلك النظم ، وتدعيما لذلك الترتيب ، كان من جملة أبحاثهم التى أعدّوها ، ومضوا وراء تحقيق أهدافها ، البحث عن إبراز مناسبات النزول ، والكشف عما عساه أن يكون من تلك الارتباطات ، بين آى القرآن بعضها مع بعض فى سورها. وعن السور بعضها مع بعض فى جملتها ، ومن جهة تعلّق سابقها بلاحقها ، ومتأخرها بمتقدمها.
بل إنهم كثيرا ما يذكرون أن بيان المقصود من اللفظ ، لا يكون متجلّيا إلا بمعرفة السياق ، حتى يشع اللفظ السابق على اللآحق بضوء يكشف غامضه وحتى يستوجب اللاحق للسابق نظرة يستشف ما حال دونه ، وحجب غصونه.
بيد أن المفسّر للقرآن الكريم على هذا النهج ، تارة يكون متمهّلا ممعنا ، وتارة يكون مسرعا متعجّلا مجملا.