قال ابن كثير : عرفت أنها ستبلى وتمتحن بهذا المولود ، فتمنت الموت ، لأنها عرفت أن الناس لا يصدقونها فى خبرها ، وبعد ما كانت عندهم عابدة ناسكة ، تصبح عاهرة زانية ، ولذلك قالت ما قالت. (فَناداها مِنْ تَحْتِها) قال مجاهد : عيسى ابن مريم. وقال الحسن : هو ابنها (١). قال : أو لم تسمع الله يقول : (فَأَشارَتْ إِلَيْهِ.)
وكلّم أهله وقومه ليدفع عن أمه الفرية ، ويظهر المقدرة الربانية :
(فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَها تَحْمِلُهُ ، قالُوا يا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيًّا ، يا أُخْتَ هارُونَ ما كانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَما كانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا. فَأَشارَتْ إِلَيْهِ ـ قالُوا : كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا ، قالَ : إِنِّي عَبْدُ اللهِ ، آتانِيَ الْكِتابَ ، وَجَعَلَنِي نَبِيًّا ، وَجَعَلَنِي مُبارَكاً أَيْنَ ما كُنْتُ ، وَأَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ ما دُمْتُ حَيًّا ، وَبَرًّا بِوالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيًّا ، وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ ، وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا) [مريم : ٢٧ ـ ٣٣]
أى أتت به قومها بعد أن طهرت من النفاس ، تحمل ولدها عيسى على يديها ، فلما رأوها وابنها أعظموا أمرها واستنكروه ، وقالوا لها : لقد جئت شيئا عظيما منكرا ، (فَأَشارَتْ إِلَيْهِ) أى لم تجبهم ، وأشارت إلى عيسى ليكلموه ويسألوه ، فقالوا متعجبين : كيف نكلم طفلا رضيعا ، لا يزال يغتذى بلبان أمه.
قال الرازى : روى أنه كان يرضع ، فلما سمع ذلك ترك الرضاع ، وأقبل عليهم بوجهه وكلمهم ، ثم لم يتكلم حتى بلغ مبلغا يتكلم فيه الصبيان (٢).
__________________
(١) هذا ما اختاره ابن جرير فى تفسيره.
(٢) التفسير الكبير ٢١ / ٢٠٨