وذكرت قصة إبراهيم عدة مرات ، وذكرت قصة موسى ـ عدة مرات ، وذكرت قصة عيسى عدة مرات ، وإنه يبدو بادى الرأى أن ذلك من مكرور القول. فما وجه البلاغة فى هذا التكرار لقصص الأنبياء؟
إننا إذا نظرنا نظرة فاحصة تليق بمقام القرآن ، ومكانته فى البيان العربى ، نجد أن التكرار فيه له مغزى ، ذلك أن القرآن ليس كتاب قصص ، وليس كالروايات القصصية ، التى تذكر الحوادث المتخيّلة أو الواقعة. إنما قصص القرآن ـ وهو قصص لأمور واقعة ـ يساق للعبر ، وإعطاء المثلاث ، وبيان مكان الضالين. ومنزلة المهتدين ، وعاقبة الضلال ، وعاقبة الهداية ، وبيان ما يقاوم به النبيون ، ووراءهم كل الدعاة للحق. فهو قصص للعبرة بين الواقعات ، لا لمجرد المتعة من الاستماع والقراءة. ولذلك قال الله تعالى فى آخر قصة نبى الله يوسف : (لَقَدْ كانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبابِ ، ما كانَ حَدِيثاً يُفْتَرى وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ)
[الآية : ١١١]
كما أن القصص القرآنى لون من تصريف البيان القرآنى ، وتغير أشكاله ، وفى ذلك يقول الحق سبحانه : (وَلَقَدْ صَرَّفْنا فِي هذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ)
[الكهف : ٥٤]
إن القصص القرآنى فيه العبرة ، وما ذكرت قصة إلّا كان معها عبرة أو عبر ، وفيها المثلاث لمن عصوا وتركوا أمر ربهم ، وفيها بيان ما نزل بالأقوياء ، الذين غرهم الغرور ، والجبابرة الذين طغوا فى البلاد ، وأكثروا فيها الفساد ، والله من ورائهم محيط.
وإن القصص فيه إيناس صاحب الرسالة المحمدية ، بأخبار إخوانه من المصطفين الأخيار ، وإثبات قوله ، فقد كانت تلك الأخبار الصادقة. ما كانت