نقول : إن ذلك اللون من التفسير وجد ما يدانيه فى علوم آخرى ، إلا أنه على النحو التفسيرى لم يتم بنيانه ، ولم تقم أركانه ، ولم ينح نحوه أحد من العلماء السابقين ، بل لم يتعرض له من اللآحقين إلا القليل.
وهذا اللون من التفسير ، يتطلب جمع الآيات المتصلة بالموضوع ، وإمعان النظر فيها ، بوصفها وحدة واحدة ، وتحريك النظر فى اتجاهاتها ، لاستكشاف ما يكون فيها من معان ثانية ، وبذلك نقتطف من كل غصن من أغصان ذلك البحث ما يناسبه ، حتى تكون فروع ذلك الموضوع الواحد مستوفاة مستكملة ، ويكون لكل فرع من الآيات ما يناسبه ثم ينتقل إلى موضوع آخر ، وهكذا .. حتى تتحقق الأهداف التى توخاها القرآن ، وتبرز وحدة الموضوع ، التى قصد إليها هذا التفسير الموضوعى ، كموضوعات الرسالة ، والتوحيد ، والبعث والنشور ، والجنة والنار ، وموضوع الخمر ، والزواج والطلاق ، والمعاملات المالية ، والجهاد ، وحقوق الأفراد إلى غير ذلك .. وقد سمى بالتفسير الموضوعى نسبة إلى وحدة الموضوع الذى يعالجه.
ويتصل بهذا اللون من التفسير ، لون آخر ـ يمكن أن نطلق عليه التفسير المقارن أو الموازن.
وفى هذا اللون من التفسير ، القائم على الموازنة ، يعمد المفسر إلى جملة من الآيات القرآنية فى مكان واحد ، ويستطلع آراء المفسرين ، متتبعا ما كتب فى تفسير تلك الجملة من الآيات ، سواء كانوا من السلف ، أم كانوا من الخلف ، وسواء أكان تفسيرهم من التفسير النقلى ، أم كان من التفسير العقلى ، ويوازن بين الاتجاهات المتباينة ، والمشارب المتنوعة ، فيما سلكه كل منهم فى تفسيره ، وما انتهجه فى مسلكه ، فيرى من كان منهم متأثرا بالخلاف المذهبى ، ومن كان منهم معبرا عن آراء فرقة معينة ، أو مذهب من المذاهب.