صدق المسلمون هذا ، وأيقنوا أن لا شرف إلا والقرآن سبيل إليه ، ولا خير إلّا وفى آياته دليل عليه ، فراحوا يبحثون عن معانيه ، ليقفوا على ما فيه من مواعظ وعبر ، وأخذوا يتدبرون فى آياته ، ليأخذوا من مضامينها ، ما فيه سعادة الدنيا ، وخير الآخرة.
وكان القوم عربا خلّصا ، يفهمون القرآن ، ويدركون معانيه ، ومضامينه ومراميه ، بمقتضى سليقتهم العربية ، وبما يتمتعون به من صفاء الذهن ، وقوة العارضة ، وكانوا يعرفون من أسراره ما لا يعرفه أحد ، ولكنهم لم يدوّنوها ، لأن القرآن قد ملأ عليهم حياتهم ، فكانوا دائبين على دراسته وفقهه ، ونشره بين المسلمين.
وكانت للقوم وقفات أمام بعض النصوص القرآنية ، التى دقت مراميها ، وخفيت معانيها ، ولكن لم تطل بهم هذه الوقفات ، إذ كانوا يرجعون فى مثل ذلك ، إلى رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم. فيكشف لهم ما دقّ عن أفهامهم ، ويجلى لهم ما خفى عن إدراكهم ، وهو الذى عليه البيان ، كما عليه البلاغ ، تحقيقا لقول الحق سبحانه :
(وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ)
[النحل : ٤٤]
كان النبى ـ صلىاللهعليهوسلم ـ يفسر القرآن ، فيربط بين الآيات والآيات ، وبين الآيات ومناسبات النزول ، ويوازن بين المعانى ..
تذكر لنا المصادر القديمة ، أن بذورا من التفسير الموضوعى ، نبتت على عهد رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ وعهد صحابته. رضوان الله عنهم أجمعين.