كل هذه النواحى وغيرها ، تناولها المفسّرون الأول بتوسّع ملموس ، لم يترك لمن جاء بعدهم ـ إلى ما قبل العصر الحديث بقليل ـ من عمل جديد ، أو أثر مبتكر ، يقومون به فى تفاسيرهم التى ألفوها ، اللهم إلا عملا ضئيلا ، لا يعدو أن يكون جمعا لأقوال المتقدمين ، أو شرحا لغامضها ، أو نقدا وتفنيدا لما يعتوره الضعف منها ، أو ترجيحا لرأى على رأى ، مما جعل التفسير يقف وقفة مليئة بالركود ، خالية من التجديد والابتكار (١).
وفى العصر الحديث .. ظل الأمر على هذا ، وبقى التفسير واقفا عند هذه المرحلة ، مرحلة الركود والجمود ، لا يتعداها ، ولا يحاول التخلص منها ، حتى جاء عصر النهضة العلمية الحديثة ، فاتجهت أنظار العلماء ، الذين لهم عناية بدراسة التفسير ، إلى أن يتحرروا من قيد هذا الركود ، ويتخلصوا من نطاق هذا الجمود ، فنظروا فى كتاب الله نظرة ـ وإن كانت تعتمد على ما دوّنه الأوائل ، إلا أنها أثرت فى الاتجاه التفسيرى للقرآن ، تأثيرا لا يسعنا إنكاره ، ذلك هو العمل على التخلص من كل هذه الاستطرادات العلمية ، التى حشرت فى التفسير حشرا. ومزجت به على غير ضرورة لازمة ، والعمل على تنقية التفسير من القصص الإسرائيلى ، الذى كاد يذهب بجمال القرآن وجلاله ، وتمحيص ما جاء فيه من الأحاديث الضعيفة ، أو الموضوعة على رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ أو على صحابته ـ عليهم رضوان الله تعالى ، وإلباس التفسير ثوبا أدبيا اجتماعيا ، موضوعيا ، يظهر روعة القرآن ، ويكشف مراميه الدقيقة ، وأهدافه السامية ، والتوفيق بجد بالغ ، وجهد ظاهر ، بين القرآن وما جدّ من نظريات علمية صحيحة. وكان ذلك من أجل أن يعرف المسلمون ، وغير المسلمين ، أن القرآن هو كتاب الله الخالد ، الذى يتمشى مع الزمن فى جميع أطواره ومراحله.
__________________
(١) الدكتور محمد حسين الذهبى : التفسير والمفسرون ج ٢ ص ٤٩٥. طبع مصر سنة ١٩٦٨ م