وهناك غير هذه الآثار ، آثار أخرى ظهرت فى الاتجاه التفسيرى ـ فى هذا العصر الحديث ـ نشأت عن عوامل مختلفة ، أهمها التوسع العلمى ، وانتشار الثقافة ، واتساع الحضارة (١). فى مقدمتها : التفسير العلمى ، التفسير الأدبى الاجتماعى ، والتفسير الموضوعى.
التفسير الموضوعى :
نشأ التفسير الموضوعى ، فى العصر الحديث ، مقترنا وممتزجا بالتفسير الأدبى ، ذلك التفسير الذى تظهر فيه ذاتية المفسّر ، وشخصيته ، وملكته الأدبية ، وقدرته على بلورة الأفكار ، وتقديم التصورات الممكنة ، والمحتملة ، والجائزة ، فى غلاف شفاف من الأسلوب الأدبى المؤثر ، المحرك لمشاعر القارىء أو السامع ووجدانه ، وهو يعتمد أيضا على التفنن فى استجلاء مكامن علوم البلاغة ، لإظهار ما يؤديه من جمال التصوير ، وروعة التعبير ، فى إطار من حسن العرض ، وكمال التحليل ، وجودة التعليل.
وقد بدأ هذا اللون من التفسير ، فى نهاية القرن التاسع عشر الميلادى تقريبا ، بجهود عالم جليل هو الإمام الشيخ محمد عبده ، فقد رأيناه يحاول ، على هدى قراءاته لابن تيمية ، أن يعرض تفسيرا دقيقا للجزء الثلاثين من القرآن الكريم ، وهو جزء عم ، أخلاه من كل الشوائب العقيدية والإسرائيلية ، ومكّن فيه لرفض البدع والخرافات ، واستخدم الفكر الحر ، فى فهم معانى القرآن ، وما دعا إليه من الرقّى بالروح ، والنهوض بالمجتمع ، فى أسلوب أدبى ناصع ، وبتحليل علمى دقيق.
أما الرقىّ الروحى ، فبما قدّم للإنسان من تهذيب خلقى قويم.
__________________
(١) التفسير والمفسرون ج ٢ ص ٤٩٥