نَحْنُ وَلا آباؤُنا وَلا حَرَّمْنا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ كَذلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ (٣٥)
____________________________________
الأصنام والأوثان ، فإنا حين نرى أنا عبدناها علمنا أن الله أراد عبادتنا لها ، إذ لو لم يرد عبادتنا لها لمنعنا عن ذلك بالجبر.
(نَحْنُ وَلا آباؤُنا) بدل عن الضمير في «عبدنا» أي لم نكن نعبد نحن وآبائنا ، الأصنام لو لم يرد الله (وَلا حَرَّمْنا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ) أي لو شاء الله عدم تحريمنا للسائبة والبحيرة وغيرهما لمنعنا عن ذلك ، فلم نكن لنحرم شيئا من دون إرادته ورضاه ، فقد اعتقدوا الخرافة وعملوا المعاصي ، ونسبوها إلى الله سبحانه حين قيل لهم أنهم على باطل وأن أعمالهم توجب السخط والعقاب (كَذلِكَ) أي كفعل هؤلاء في الكفر والعصيان ونسبة أعمالهم إليه تعالى (فَعَلَ) الكفار (الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) وإنما قال «فعل» مع أن الاعتقاد ليس فعلا؟ للتغليب ، أو لأن الكلام كان في العبادة ، وهي فعل ، ولقد كان كلامهم من السخافة بحيث لا يستحق الجواب ، فهل سبحانه يجبر أحدا على عمل؟ إنه خلاف العقل والوجدان ، وإلّا لارتفعت جميع القوانين ولكان المجرم كالمحسن ، وبطلت الحكومات والأقضية (فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ) استفهام إنكاري ، أي ليس على الرسل إلا أن يبلّغوا أوامر الله سبحانه بكل جلاء ووضوح ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حيّ عن بينة ، وإن هذا هو اللازم في اللطف أن يبعث الله رسولا مبينا ، أما أن يمنع العاصي بالجبر والإكراه فإنه خلاف العقل والبرهان ، وإلا كان الإنسان كآلة صماء لا فرق بينه وبين الحديد المسيّر في جهاز متحرك.