وَمَثَلاً مِنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ (٣٤) اللهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ
____________________________________
(وَ) أنزلنا إليكم (مَثَلاً مِنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ) حيث ظهر من ذلك المثل ـ والمراد به الجنس ـ أن الأمم السابقة لما تعدت وعصت أخذت بأنواع العذاب ، لتعتبروا بذلك المثل (وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ) وإنما خص الموعظة بهم ، لأنهم الذين ينتفعون بالعظة.
[٣٦] وإذا ذكرت الآيات السابقة الأحكام الأخلاقية الاجتماعية المرتبطة بالطهارة والنزاهة للعين والفرج واللسان ، وسمت بالإنسان من الآفاق المظلمة إلى الآفاق المنيرة ، ناسب ذلك التحدث عن عالم النور ، عالم الإله الذي أنار كل شيء بنور وجهه فقال تعالى (اللهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) والنور هو الظاهر في نفسه المظهر لغيره ، وهكذا الله سبحانه ظاهر في نفسه مظهر لغيره ، بل أن النور الخارجي رشحة من نوره سبحانه الذي غمر الكون ، وأظهر كل شيء وأوجد كل موجود (مَثَلُ نُورِهِ) من باب تشبيه المعقول بالمحسوس ليدركه الإنسان بقدر حسه (كَمِشْكاةٍ) لقد كان الناس في الماضي يخرجون كوة في الحائط ثم يجعلون على تلك الكوة لوحا من الزجاج ثم يجعلون المصباح ـ وهو محل الزيت والفتيلة ـ في زجاجة ـ تسمى بالفانوس ـ ثم يجعلون تلك الزجاجة في الكوة ، وإنما يجعلونها في الكوة ليشع من المصباح الضياء في الداخل والخارج ، ومن المعلوم أن نور المصباح إذا أشرق على الزجاج ، وكان منحصرا في كوة لا ينتشر كان ضياؤه قويا جدا ، وبالأخص إذا كان الزيت نقيا جيدا ، إن مثل هذا النور هو مثل نور الله سبحانه.