يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ ماءً حَتَّى إِذا جاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ اللهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسابَهُ وَاللهُ سَرِيعُ الْحِسابِ (٣٩)
____________________________________
الباء حرف جر ، وقيعة جمع قاع وهو الواسع من الأرض المنبسطة ، ولعل الإتيان بالجمع ، لتعدد الصعد التي يعمل الإنسان الكافر أعماله فيها ، في صعيد العبادة للأصنام وفي صعيد الإنفاق ، وفي صعيد الإحسان إلى الأرحام ، وهكذا (يَحْسَبُهُ) أي يحسب ذلك السراب (الظَّمْآنُ) الذي عطش كثيرا (ماءً) وتخصيص الظمآن بالذكر ، مع أن السراب يتراءى لكل أحد ، من جهة أن الظمآن هو الذي يرجوه ، فإذا جاءه لم يجده ، ويخيب رجاءه في أحرج حالاته (حَتَّى إِذا جاءَهُ) أي ذهب إلى ذلك السراب ليشرب منه ـ بظن أنه ماء ـ فيطفئ عطشه (لَمْ يَجِدْهُ) أي لم يجد ما زعمه ماء (شَيْئاً) إذ هو خيال الماء ، لا الماء ذاته ، وهكذا الكافر يحسب أن له أعمالا خيرة في الآخرة ينتفع بها في أحرج ساعاته ، فإذا ذهب إلى الآخرة لم يجد أثرا من أعماله (وَوَجَدَ اللهَ عِنْدَهُ) أي عند عمله المزعوم أنه باق له ، والمعنى أنه حيث كان يرجو الخير ، يرى الحساب والنكال (فَوَفَّاهُ) أي أعطاه الله وافيا (حِسابَهُ) الموجب لجزائه على أعماله السيئة في الدنيا (وَاللهُ سَرِيعُ الْحِسابِ) ، فلا تعطيل هناك في حساب الخلائق على كثرتهم ، وإنما يحاسب سبحانه الجميع في مقدار نصف ساعة ـ كما ورد ـ أو المراد سرعة زوال الدنيا ووصول الناس إلى جزاء أعمالهم.
[٤١] لقد كان المثال الأول للكافر بالنسبة إلى الشخص حال ظمأه يريد الارتواء ، ويأتي السياق بمثال ثان لحال الكافر بالنسبة إلى وقت ضلاله يريد الاهتداء والنور فلا يجد ، كالإنسان الذي ركب السفينة ، فجاء