بيّن أنّ الرزق الذي «عليه» ما حاله فقال : (وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ) ، وما كان فى السماء لا يوجد فى السوق ، ولا فى التّطواف فى الغرب والشرق (١).
ويقال الأرزاق مختلفة فرزق كل حيوان على ما يليق بصفته.
ويقال للنفوس رزق هو غذاء طريقه الخلق ، وللقلوب رزق وهو ضياء موجده الحق.
ويقال لم يقل ما يشتهيه أو مقدار ما يكفيه بل هو موكول إلى مشيئته ؛ فمن موسّع عليه ومن مقتّر.
قوله جل ذكره : (وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّها وَمُسْتَوْدَعَها كُلٌّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ)
قيل أراد به أصلاب الآباء وأرحام الأمهات ، أو الدنيا والآخرة. ويقال مستقرّ المريد بباب شيخه كمستقرّ الصبيّ بباب والديه. ويقال مستقر العابدين المساجد ، ومستقر العارفين المشاهد ، فالمساجد مستقرّ نفوس العابدين ، والمشاهد مستقرّ قلوب العارفين.
ويقال مستقرّ المحب رأس سكّة محبوبه لعلّه يشهده عند عبوره.
ويقال المساجد للعابدين مستقرّ القدم ، والمشاهد للعارفين مستقرّ الهمم ، والفقراء مستقرهم سدّة الكرم.
ويقال الكلّ له مثوى ومستقر ، أما الموحّد فإنه لا مأوى له ولا مستقر ولا مثوى ولا منزل.
ويقال النفوس مستودع التوفيق من الله ، والقلوب مستودع التحقيق من قبل الله.
ويقال القلوب مستودع المعرفة ؛ فالمعرفة وديعة فيها. والأرواح مستودع المحبة فالمحاب ودائع فيها. والأسرار مستودع المشاهدات فالمشاهدات ودائع فيها.
قوله جل ذكره : (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً)
__________________
(١) قد يبدو للوهلة الأولى أن كلام القشيري لا ينتظم مع قوله تعالى : (فَامْشُوا فِي مَناكِبِها وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ) ولكن الواقع أنه يقصد بذلك رزق السرائر لا رزق الظواهر.