فلم يحتج معهم إلى تضرع واستخذاء ، ولا راودهم فى سلم واستمهال ، ولم يتّصف فى ذلك بركون إلى حوله وملّته ، ولم يستند إلى جده وقوّته بل قال :
(إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ ما مِنْ دَابَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها إِنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٥٦))
أخبر أنه بموعود الله له بنصرته واثق ، وأنه فى خلوص طاعته لربّه وفى صفاء معرفته (غير مفارق) (١).
قوله جل ذكره : (فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ ما أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّونَهُ شَيْئاً إِنَّ رَبِّي عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ (٥٧))
أوحينا إليه أن قل لهم : إن تولّوا ولم تؤمنوا بي فقد بلّغت ما حمّلت من رسالتى ، وإنى واثق بأنّ الله إذا أهلككم يأت بأقوام آخرين سواكم أطوع له منكم ، وإن أفناكم ما اختلّ ملكه ؛ إذ الحقّ ـ سبحانه ـ بوجود الأغيار لا يلحقه زين ـ وإن وحدوا ، وبفقدهم لا يمّسه شين ـ وإن جحدوا وألحدوا.
قوله جل ذكره : (وَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا هُوداً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَنَجَّيْناهُمْ مِنْ عَذابٍ غَلِيظٍ (٥٨))
ولما جاء أمرنا بإهلاكهم نجيّنا هودا والذين آمنوا برحمتنا ، ولم يقل باستحقاقه النجاة بوسيلة نبوته ، أو لجسامة طاعته ورسالته بل قال : (بِرَحْمَةٍ مِنَّا) ؛ ليعلم الكافة أنّ
__________________
(١) بعد (معرفته) يوجد بياض مما يدل على سقوط خبر أن وقد أكملنا النقص بكلمة ملائمة من عندنا تنفق مع السياق والنسق حسبما نعلم من طريقة القشيري.