(أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ) يرتدى جلبات الحشمة ، ويؤثر حقّ الله على ما هو مقتضى البشرية ، ويرعى حق الضيافة ، ويترك معصية الله؟
قوله جل ذكره : (قالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ ما لَنا فِي بَناتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ ما نُرِيدُ (٧٩))
أصرّوا على عصيانهم ، وزهدوا فى المأذون لهم شرعا ، وانجرّوا إلى ما قادهم إليه الهوى طبعا ، وهذه صفة البهائم ؛ لا يردعها عقل ، قال تعالى : (أُولئِكَ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ)
قوله جل ذكره : (قالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ (٨٠))
لو أن لى قوة فأمنعكم عن ارتكاب المعصية ؛ فإنّ أهمّ (١) الأشياء على الأولياء ألا يجرى من العصاة ما ليس لله فيه رضاء.
ويقال : لو كان لى قدرة لإيصال الرحمة إليكم ـ مع ارتكابكم المعاصي ـ لرحمتكم وتجاوزت عنكم.
ويقال لو أنّ لى قوة لهديتكم إلى الدّين ، ولعصمتكم عن ارتكاب المخالفات.
قوله جل ذكره : (قالُوا يا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلاَّ امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُها ما أَصابَهُمْ)
(٢) لّما ضاق به الأمر كشف الله عنه الضرّ فعرّف إليه الملائكة وقالوا : لا عليك فإنهم لا يصلون إليك بسوء ، وإنّا رسل ربك جئنا لإهلاكهم ، فاخرج أنت وقومك من بينهم ، واعلم أنّ من شاركهم فى عملهم بنوع فله من العذاب حصّة. ومن جملتهم امرأتك التي كانت تدل القوم على الملك لفعلة الفاحشة ، وإن العقوبة لاحقة بها ، مدركة لها.
والإشارة منه أن الجسارة على الزّلة وخيمة العاقبة ـ ولو بعد حين ، ولا ينفع المرء اتصاله بالأنبياء والأولياء إذا كان فى الحكم والقضاء من جملة الأشقياء.
__________________
(١) أفعل التفضيل هنا مأخوذ من الهم ، أي (فإن أكثر ما يسبب الهم للأولياء).
(٢) مستثنى من (فأسر بأهلك) منصوب.