وقيل هذا تعريفنا : إليك بالتخصيص ، وإفرادنا لك بالتقريب ـ قد حقّقناه لك ؛ فهذه الحروف بيان للإنجاز ولتحقيق الموعود.
والإشارة من (الْكِتابِ الْمُبِينِ) هاهنا إلى حكمه السابق له بأنّ يرقّيه إلى الرتبة التي لا يبلغها غيره ، وقد قال تعالى : (وَما كُنْتَ بِجانِبِ الطُّورِ إِذْ نادَيْنا ..) (١) أي حين كلّمنا موسى عليهالسلام ، وأخبرناه بعلوّ قدرك ، ولم تكن حاضرا ، وأخبرناه بأننا نبلغّك هذا المقام الذي أنت فيه الآن. وكذلك كلّ من أوحينا إليه ذكرنا له قصتك ، وشرحنا له خلقتك ، فالآن وقت تحقيق ما أخبرنا به ، وفى معناه أنشدوا :
سقيا لمعهدك الذي لو لم يكن |
|
ما كان قلبى للصبابة معهدا |
قال الله تعالى : (وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ) يعنى بعد التوراة (أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ) (٢) يعنى أمة محمد.
قوله جل ذكره : (إِنَّا أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (٢))
فى إنزال الكتاب عليه ، وإرسال الرسول (٣) إليه ـ تحقيق لأحكام المحبة ، وتأكيد لأسباب الوصلة ؛ فإنّ من عدم حقيقة الوصول استأنس بالرسول ، ومن بقي عن شهود الأحباب تسلّى بوجود الكتاب ، قال قائلهم :
وكتبك حولى لا تفارق مضجعى |
|
ففيها شفاء للذى أنا كاتم |
قوله جل ذكره : (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِما أَوْحَيْنا إِلَيْكَ هذَا الْقُرْآنَ)
(أَحْسَنَ الْقَصَصِ) : لخلوّه عن الأمر والنهى الذي سماعه يوجب اشتغال القلب بما هو يعرّض لوقوع التقصير.
(أَحْسَنَ الْقَصَصِ) : ففيه ذكر الأحباب.
__________________
(١) آية ٤٦ سورة القصص.
(٢) آية ١٠٥ سورة الأنبياء.
(٣) (الرسول) هنا مقصود به القرآن الكريم أو جبريل ـ كما هو واضح من السياق.