يا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُءْيايَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّءْيا تَعْبُرُونَ (٤٣))
كان ابتداء بلاء يوسف ـ عليهالسلام ـ بسبب رؤيا رآها فنشرها وأظهرها ، وكان سبب نجاته أيضا رؤيا رآها الملك فأظهرها ، ليعلم أنّ الله يفعل ما يريد ؛ فكما جعل بلاءه فى إظهار رؤيا جعل نجاته فى إظهار رؤيا (١) ؛ ليعلم الكافة أن الأمر بيد الله يفعل ما يشاء.
قوله جل ذكره : (قالُوا أَضْغاثُ أَحْلامٍ وَما نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلامِ بِعالِمِينَ (٤٤))
حال الرؤيا لا يختلف بالخطأ فى التعبير ، فإنّ القوم حكموا بأن رؤياه أضغاث أحلام فلم يضره ذلك ، ولم يؤثّر فى صحة تأويلها.
قوله : (وَما نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلامِ بِعالِمِينَ) : من طلب الشيء من غير موضعه لم ينل مطلوبه ، ولم يسعد بمقصوده.
قوله جل ذكره : (وَقالَ الَّذِي نَجا مِنْهُما وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ (٤٥))
لمّا كان المعلوم لله والمحكوم أن يوسف عليهالسلام يكون فى ذلك الوقت هو من يعبّر الرؤيا ـ قبض القلوب حتى خفى عليها تعبير تلك الرؤيا ، ولم يحصل للملك ثلج الصّدر إلا بتعبير يوسف (٢) ، ليعلم أنّ الله ـ سبحانه ـ إذا أراد أمرا سهل أسبابه.
ويقال : إن الله تعالى أفرد يوسف عليهالسلام من بين أشكاله بشيئين : بحسن الخلقة وبزيادة العلم ؛ فكان جماله سبب بلائه ، وصار علمه سبب نجاته ، لتعلم مزيّة العلم على غيره ، لهذا قيل : العلم يعطى وإن كان يبطى.
__________________
(١) بهدف القشيري إلى شىء بعيد هو أن المقاييس الإنسانية نسبية ولا تؤدى حتما إلى الصواب ، وبالتالى لا ينبغى تطبيقها على ما يجرى فى الكون من تصاريف إلهية.
(٢) يصلح هذا التصور ـ على نحو ما ـ لتفسير كرامات الأولياء.