وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَظِلالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ (١٥))
المؤمن يسجد لله طوعا ، وإذا نزل به ضر ألجأه إلى أن يتواضع ويسجد ، وذلك معنى سجوده كرها ـ وهذا قول أهل التفسير. والكافر يسجد طائعا مختارا ، ولكن لمّا كان سجوده لطلب كشف الضّرّ قال تعالى : إنه يسجد كرها وعلى مقتضى هذا كلّ من يسجد لابتغاء عوض أو لكشف محنة.
ويقال السجود على قسمين : ساجد بنفسه وساجد بقلبه ؛ فسجود النّفس معهود (١) ، وسجود القلب من حيث الوجود .. وفرق بين من يكون بنفسه ، وواجد بقلبه.
ويقال الكلّ يسجدون لله ؛ إمّا من حيث الأفعال بالاختيار ، أو من حيث الأحوال بنعت الافتقار والاستبشار : سجود من حيث الدلالة على الوحدانية ؛ فكلّ جزء من عين أو أثر فعلى الوحدانية شاهد ، وعلى هذا المعنى لله ساجد. وسجود من حيث الشهادة على قدرة الصانع واستحقاقه لصفات الجلال.
قوله جل ذكره : (قُلْ مَنْ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ لا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعاً وَلا ضَرًّا)
سلهم ـ يا محمد ـ من موجد السماوات والأرض ومقدّرها ، ومخترع ما يحدث فيها ومدبّرها؟ فإن أسكتهم عن الجواب ما استكنّ فى قلوبهم من الجهل فقل الله منشيها ومجريها.
ثم قال : (أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ) : يعنى الأصنام ، وهى جمادات لا تملك لنفسها نفعا ولا ضرّا ، ويلتحق فى المعنى بها كلّ من هو موسوم برقم الحدوث ، فمن علّق قلبه بالحدثان ساوى ـ من وجه ـ من عبد الأصنام ، قال تعالى : (وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ) (٢).
__________________
(١) أي السجود فى الصلوات العادية بالنسبة للكافة ، وأما سجود القلب فللخاصة.
(٢) آية ١٠٦ سورة يوسف.