وأنوار الجمع تنفى آثار التفرقة. وعند أنوار الحقائق تتلاشى آثار الحظوظ ، وأنوار طلوع الشمس من حيث العرفان تنفى صدفة الليل من حيث حسبان أثر الأغيار.
ثم الجواهر التي تتخذ منها الأوانى مختلفة فمن إناء يتخذ من الذهب وآخر من الرصاص ، إلى غيره ـ كذلك القلوب تختلف ، وفى الخبر : إن لله تعالى أوانى وهى القلوب» ؛ فزاهد قاصد ومحب واجد ، وعابد خائف وموحّد عارف ، ومتعبّد متعفّف ومتهجّد متصوف ، وأنشدوا :
ألوانها شتّي الفنون وإنما |
|
تسقى بماء واحد من منهل |
قوله جل ذكره : (لِلَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنى وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لافْتَدَوْا بِهِ أُولئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسابِ وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهادُ (١٨))
(الْحُسْنى) (١) : الوعد بقبول استجابتهم ، وذلك من أجلّ الأشياء عندهم ؛ فلا شىء أعزّ على المحبّ من قبول محبوبه منه شيئا.
أما الذين لم يستجيبوا له فلو أنّ لهم جميع ما فى الأرض وأنفقوه عمدا لا يقبل منهم ، ولهم سوء الحساب ، وهو المناقشة فى الحساب ، ثم مأواهم جهنم ودوام العذاب.
قوله جل ذكره : (أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمى إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ (١٩))
(٢) استفهام فى معنى النفي ، أي لا يستوى البصير والضرير ، ولا المقبول بالمردود بالحجبة ، ولا المؤمّل بالتقريب بالمعرّض للتعذيب ، ولا الذي أقصيناه عن شهودنا بالذي هديناه
__________________
(١) يرى النسفي أن (الحسنى) هنا صفة للمصدر أي استجابوا الاستجابة الحسنى.
(٢) أخطأ الناسخ إذ جعلها (أفلم).