ثم قال : (فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ) أي ليشتغلوا بعبادتك ، وأقم قومى ـ ما بقوا ـ بكفايتك ، (وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَراتِ) : فإنّ من قام بحقّ الله أقام الله بحقّه قومه ، واستجاب الله ، دعاءه فيهم ، وصارت القلوب من كل بر وبحر كالمجبولة على محبة تلك النسبة ، وأولئك المتصلين به ، وسكان ذلك البيت.
ويقال قوله : (بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ) : أي أسكنتهم بهذا الوادي حتى لا تتعلق بالأغيار قلوبهم ، ولا تشتغل بشىء أفكارهم وأسرارهم ؛ فهم مطروحون ببابك ، مصونون بحضرتك ، مرتبطون بحكمك ؛ إن راعيتهم كفيتهم وكانوا أعزّ خلق الله ، وإن أقصيتهم ونفيتهم كانوا أضعف وأذلّ خلق الله.
قوله جل ذكره : (رَبَّنا إِنَّكَ تَعْلَمُ ما نُخْفِي وَما نُعْلِنُ وَما يَخْفى عَلَى اللهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ (٣٨))
استأثرت بعلم الغيب فلا يعزب عن علمك معلوم ، وحالى لا تخفى عليك ، فهى كما عرفت ، أنت تعلم سرّى وعلني ... ومن عرف هذه الجملة استراح من طوارق الأغيار ، واستروح قلبه عن ترجّم الأفكار ، والتّقّسم في كون الحوادث من الأغيار.
قوله جل ذكره : (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعاءِ (٣٩))
أسعده بمنحه الولد على الكبر ، ويلتحق ذلك بوجه من المعجزات ؛ فحمد عليه. ولمّا كان هذا القول عقيب سؤاله ما قدّم من ذكر نعمته ـ سبحانه ـ عليه ، وإكرامه بأنواره ، وهذا يكون بمعنى الملق (١) ، ويكون استدعاء نعمة بنعمة ، فكأنه قال : كما أكرمتنى بهبة الولد على الكبر ؛ فأكرمنى بهذه الأشياء التي سألتها.
ويقال الإشارة فى هذا أنه قال : كما مننت علىّ فوهبتنى على الكبر هذه الأولاد
__________________
(١) الملق ـ الدعاء والتضرع (الوسيط).