فأجنبنا أن نعبد الأصنام لتكون النعمة كاملة. وفى قوله : (إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعاءِ) .. إشارة إلى هذه الجملة.
قوله جل ذكره : (رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنا وَتَقَبَّلْ دُعاءِ (٤٠) رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسابُ (٤١))
فى قوله : (رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ ..) إشارة إلى أن أفعال العباد مخلوقة ، فمعناه اجعل صلاتى ، والجعل والخلق بمعنى ، فإذا جعله مقيم الصلاة فمعناه أن يجعل له صلاة.
وقوله : (وَمِنْ ذُرِّيَّتِي) : أي اجعل منهم قوما يصلّون ، لأنه أخبره فى موضع آخر بقوله : (لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) (١)
ثم قال : (رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَّ) وهذ قبل أن يعلم أنه لا يؤمن.
ويقال إن إجابة الدعاء ابتداء فضل منه. ولا ينبغى للعبد أن يتّكل على دعاء أحد وإن كان علىّ الشأن ، بل يجب أنّ يعلق العبد قلبه بالله ؛ فلا دعاء أتمّ من دعاء إبراهيم عليهالسلام ، ولا عناية أتمّ من عنايته بشأن أبيه ، ثم لم ينفعه ولا شفع الله له.
ويقال لا ينبغى للعبد أن يترك دعاءه أو يقطع رجاءه فى ألا يستجيب الله دعاءه ، فإن إبراهيم الخليل عليهالسلام دعا لأبويه فلم يستجب له ، ثم إنه لم يترك الدعاء ، وسأل حينما لم يجب فيه. فلا غضاضة على العبد ولا تناله مذلّة إن لم يجبه مولاه فى شىء ؛ فإنّ الدعاء عبادة لا بدّ للعبد من فعلها ، والإجابة من الحقّ فضل ، وله أن يفعل وله ألا يفعل.
قوله جل ذكره : (وَلا تَحْسَبَنَّ اللهَ غافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ)
هذا وعيد للظالمين وتسلية للمظومين ؛ فالمظلوم إذا تحقّق بأنه ـ سبحانه ـ عالم بما يلاقيه من البلاء هانت على قلبه مقاساته ، وحق عليه تحمله.
__________________
(١) آية ١٢٤ سورة البقرة.