والظلم على وجوه ؛ ظلم على النّفس بوضع الزّلّة مكان الطاعة ، وظلم على القلب بتمكين الخواطر الردية منه ، وظلم على الروح بجعلها لمحبة المخلوقين.
ويقال من جملة الظالمين الشيطان ، فالعبد المؤمن مظلوم من جهته ، والحقّ ـ سبحانه ـ ينتصف له منه غدا ، وذلك إن لم يتّبعه اليوم ، ودفعه عن نفسه بالمجاهدة وترك وساوسه.
قوله جل ذكره : (إِنَّما يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصارُ مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي ... الآية)
وهذا للعوام من المؤمنين ، علّق قلوبهم بالانتقام منهم فى المستأنف ، وأمّا الخواص فإذ علموا أنه ـ سبحانه ـ عالم بهم وبحالهم فإنهم يعفون ويكتفون بذلك ، وأمّا خواص الخواص فإذ علموا أنهم عبيده فإنهم لا يرضون بالعفو عن ظلمهم حتى يستغفرلهم ، كما قال النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ : «اللهم اغفر لقومى فإنهم لا يعلمون» ، وفى معناه أنشدوا :
وما رضوا بالعفو عن ذى زلة |
|
حتى أنالوا كفّه وازدادوا |
وأما أصحاب التوحيد فإذ علموا أنه المنشئ ، وألا مخترع سواه فليس بينهم وبين أحد محاسبة ، ولا مع أحد معاتبة ، ولا منه مطالبة ، لأنه يعدّون إثبات الغير فى الظن والحسبان شركا.
قوله جل ذكره : (وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنا أَخِّرْنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ ما لَكُمْ مِنْ زَوالٍ (٤٤))
أفسدوا فى أول أمورهم ، وقصّروا فى الواجب عليهم ، ولم يكن للخلل فى أحوالهم جبران ، ولا لعذرهم قبول لتصحّ الحجة عليهم ، فافتضح المجرم منهم ، وخاب الكافر ، وحقّ الحكم عليهم.