عارفا ، وكل جزء من العلم تحصل له آية ودليل ، فللعالم حتى يكون عارفا بربّه آيات ودلائل ، لأن دليل هذه المسألة خلاف دليل تلك المسألة ؛ فبدليل واحد يعلم وجه النظر ، وبأدلة كثيرة يصير عارفا بربه.
قوله جل ذكره : (وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ)
الليل والنهار ظرفا الفعل ، والناس فى الأفعال مختلفون : فموفّق ومخذول ؛ فالموفّق يجرى وقته فى طاعة ربه ، والمخذول يجرى وقته فى متابعة هواه.
العابد يكون فى فرض يقيمه أو نفل يديمه ، والعارف فى ذكره وتحصيل أوراده بما يعود على قلبه فيؤنسه ، وأما أرباب التوحيد فهم مختطفون عن الأحيان والأوقات بغلبة ما يرد عليهم من الأحوال كما قيل :
لست أدرى أطال ليلى أم لا |
|
كيف يدرى بذاك من يتقلّى؟ |
لو تفرّغت لاستطالة ليلى |
|
ورعيت النجوم كنت مخلّا |
قوله جل ذكره : (وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّراتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ).
هذا فى الظاهر ، وفى الباطن نجوم العلم وأقمار المعرفة وشموس التوحيد.
قوله جل ذكره : (وَما ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ (١٣))
أقوام خلق لهم فى الأرض الرياض والغياض (١) ، والدور والقصور ، والمساكن والمواطن ، وفنون النّعم وصنوف القسم .. وآخرون لا يقع لهم طير على وكر ، ولا لهم فى الأرض شبر ؛ لا ديار تملكهم ، ولا علاقة تمسكهم ـ أولئك سادات الناس وضياء الحق.
__________________
(١) الغياض جمع غيضة وهى الموضع يكثر فيه الشجر ويلتف.