ويقال ما عندكم من اشتياقكم إلى لقائنا فمعرّض للزوال ، وقابل للانقضاء ، وما وصفنا به أنفسا من الإقبال لا يتناهى وأفضال لا تفنى ، كما قيل :
ألا طال شوق الأبرار إلى لقائى |
|
وإنى للقائهم لأشدّ شوقا |
قوله : (وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا ...) : جزاء الصبر الفوز بالطّلبة ، والظّفر بالبغية. ومآلهم فى الطلبات يختلف : فمن صبر على مقاساة مشقة فى الله. فعوضه وثوابه عظيم من قبل الله ، قال تعالى : (إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ) (١).
ومن صبر عن اتباع شهوة لأجل الله ، وعن ارتكاب هفوة مخافة لله فجزاؤه كما قال تعالى : (أُوْلئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِما صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيها تَحِيَّةً وَسَلاماً) (٢).
ومن صبر تحت جريان حكم الله ، متحققا بأنه بمرآة من الله فقد قال تعالى : (إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) (٣).
قوله جل ذكره : (مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (٩٧))
الصالح ما يصلح للقبول ، والذي يصلح للقبول ما كان على الوجه الذي أمر الله به. وقوله (مَنْ عَمِلَ صالِحاً) : فى الحال ، (فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً) : فى المآل ؛ فصفاء الحال يستوجب وفاء المآل ، والعمل الصالح لا يكون من غير إيمان ، ولذا قال : (وَهُوَ مُؤْمِنٌ).
ويقال (وَهُوَ مُؤْمِنٌ) أي مصدّق بأن إيمانه من فضل الله لا بعمله الصالح. ويقال (وَهُوَ مُؤْمِنٌ) أي مصدّق بأن عمله بتوفيق الله وإنشائه وإبدائه. قوله (فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً
__________________
(١) آية ١٠ سورة الزمر.
(٢) آية ٧٥ سورة الفرقان.
(٣) صبر العبد مع الله أشد أنواع الصبر ويكون ـ كما يقول عمرو بن عثمان : بالثبات مع الله ، وتلقى بلائه بالرحب والدعة.
وصبر الله مع العبد يصفه الشيخ الدقاق بقوله : فاز الصابرون بعز الدارين لأنهم نالوا من الله تعالى معيته. (الرسالة ص ٩٣).