مِنْ جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْها حُسْباناً مِنَ السَّماءِ فَتُصْبِحَ صَعِيداً زَلَقاً (٤٠) أَوْ يُصْبِحَ ماؤُها غَوْراً فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَباً (٤١))
أخبر أنه خلق رجلين جعل لهما جنتين على الوصف الذي ذكره ، فشكر أحدهما لخالقه وكفر الآخر برازقه ، فأصبح الكافر وجنّته أصابتها جائحة ، وندم على ما ضيّعه من الشكر ، وتوجّه عليه اللوم.
وفى الإشارة يخلق عبدين يطيّب لهما الوقت ، ويمهّد لهما بساط اللطف ، ويمكّن لهما من البسط .. فيستقيم أحدهما فى الترقي إلى النهاية من مقامات البداية بحسن المنازلة وصدق المعاملة ، فتميز له المجاهدة ثمرات أحسن الأخلاق فيعالجها بحسن الاستقامة ، ثم يتحقق بخصائص الأحوال الصافية ، ثم يختطف عنها بما يكاشف به من حقائق التوحيد ، ويصبح منتفى عن جملته باستهلاكه فى وجود ما بان له من الحقائق.
والثاني لا يقدّر قدر ما أهّل له من حسن البداية فيرجع إلى مألوفاته ، فينتكس أمره ، بانحطاطه إلى ذميم عاداته ، وفيرتدّ عن سلوك الطريقة ويتردّى (١) فى ظلمة الغفلة ؛ فيصير وقته ليلا مظلما ، ويتطوح فى أودية التفرقة ، ويوسم الطرد ، ويسقى شراب الإهانة ، وينخرط فى سلك الهجر .. وذلك جزاء من لم يرهم الحقّ لوصلته أهلا ، ولم يجعل لولائهم فى التحقيق والقبول أصلا :
تبدّلت وتبدلنا يا حسرة لمن |
|
ابتغى عوضا لسلمى فلم يجد |
قوله جل ذكره : (وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلى ما أَنْفَقَ فِيها وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها وَيَقُولُ يا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَداً (٤٢) وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ
__________________
(١) وردت (ويرتدى) وهى خطأ فى النسخ كما هو واضح من السياق.