زَعَمْتُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ مَوْبِقاً (٥٢))
علم الحقّ ـ سبحانه ـ أنّ الأصنام لا تغنى ولا تنفع ولا تضر ، ولكن يعرّفهم فى العاقبة بما يصيّر معارفهم ضرورية (١) حسما لأوهام القوم ؛ حيث توهموا أنّ عبادتهم للأصنام فيها نوع تقرب إلى الله على وجه التعظيم له كما قالوا : (ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللهِ زُلْفى) (٢).
فإذا تحققوا بذلك صدقوا فى الندم ، وكان استيلاء الحسرة عليهم ، وذلك من أشد العقوبات لهم.
قوله جل ذكره : (وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُواقِعُوها وَلَمْ يَجِدُوا عَنْها مَصْرِفاً (٥٣))
إذا صارت الأوهام منقطعة ، والمعارف ضرورية ، والنار معاينة استيقنوا أنهم واقعون فى النار ، فلا يسمع لهم عذر ، ولا تنفع لهم حيلة ، ولا تقبل فيهم شفاعة ، ولا يؤخذ منهم فداء ولا عدل .. لقد استمكنت الخيبة ، وغلب اليأس ، وحصل القنوط ، وهذا هو العذاب الأكبر.
قوله جل ذكره : (وَلَقَدْ صَرَّفْنا فِي هذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَكانَ الْإِنْسانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً (٥٤))
أوضح للكافة الحجج ، ولكن لبّس على قوم النهج فوقعوا فى العوج.
(وَكانَ الْإِنْسانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً) الجدل فى الله محمود مع أعدائه ، والجدل مع الله شرك لأنه صرف إلى مخالفة توهم أن أحدا يعارض التقدير ، وتجويز ذلك انسلاخ
__________________
(١) المعارف إما ضرورية أو كسبية ، والضرورية من الحق ، والكسبية من الخلق.
(٢) آية ٣ سورة الزمر.