(وَكانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا) وكان هذا أشرف خصاله وأجلّ صفاته.
قوله جل ذكره : (وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً نَبِيًّا (٥٦) وَرَفَعْناهُ مَكاناً عَلِيًّا (٥٧))
الصّدّيق كثير الصدق ، لا يشوب صدقه مذق (١) ، ويكون قائما بالحقّ للحق ، ولا يكون فيه نفس لغير الله.
(وَرَفَعْناهُ مَكاناً عَلِيًّا) : درجة عظيمة فى التربية لم يساوه فيها أحد.
قوله جل ذكره : (أُولئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْراهِيمَ وَإِسْرائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنا وَاجْتَبَيْنا إِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُ الرَّحْمنِ خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيًّا (٥٨))
أقامهم بشواهد الجمع ، وأخبر أن منّته كامنة فى تخصيصهم بأحوالهم ، وتأهيلهم لما رقّاهم إليه من المآل ، وأنه بفضله اختارهم واجتباهم ومما أنعم به عليهم من الخصائص رقّة قلوبهم ؛ فهم إذا تتلى عليهم الآيات سجدوا ، وسجود ظواهرهم يدل على سجود سرائرهم بما حقّق لهم من شواهد الجمع ، وأمارة صحته ما وفقهم إليه من عين الفرق ؛ فبوصف التفرقة قاموا بحق آداب العبودية ، وبنعت الجمع تحققوا بحقائق الربوبية (٢).
قوله جل ذكره : (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضاعُوا
__________________
(١) مذق اللبن والشراب بالماء مذقا اى مزجه وخلطه ، ومذق الود اى شابه ولم يخلصه.
(٢) هذا من أشد البراهين نصاعة على تمسك القشيري بالشريعة ؛ فإن صدق العبد فى التوجه أمارته ان يكون محفوظا ـ من قبل الحق ـ كى يؤدى فرائض الشرع.