وإنما قال : أدخل يدك فى جيبك ولم يقل كمّك لانه لم يكن لما عليه من اللّباس كمّان.
قوله : «لنريك (١) من آياتنا الكبرى» : الآية الكبرى هى ما كان يجده فى نفسه من الشهود والوجود ، وما لا يكون بتكلّف العبد وتصرّفه من فنون الأحوال التي يدركها صاحبها ذوقا.
قوله جل ذكره : (اذْهَبْ إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى (٢٤))
بعد ما أسمعه كلامه من غير واسطة ، وشرّف مقامه ، وأجزل إكرامه أمره بالذهاب ليدعو فرعون إلى الله ـ مع علمه بأنه لا يؤمن ولا يجيب ولا يسمع ولا يعرف ـ فشقّ على موسى ذهابه إلى فرعون ، وسماع جحده منه ، بعد ما سمع من الله كلامه سبحانه ، ولكنه آثر أمر محنته على مراد نفسه.
ويقال لمّا أمره بالذهاب إلى فرعون سأل الله أهبة النّقل وما به يتمّ تبليغ ما حمل من الرسالة ، ومن ذلك قوله :
(قالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي (٢٥) وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي (٢٦) وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانِي (٢٧) يَفْقَهُوا قَوْلِي (٢٨))
ليعلم أنّ من شرط التكليف التّمكّن من أداء المأمور به.
ويقال إنّ موسى لم أخذ فى المخاطبة مع الله كاد لا يسكت من كثرة ما سأله فظل يدعو : (رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي ، وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي ...) وهكذا إلى آخر الآيات والأسئلة.
قوله (قالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي) : حتى أطيق أن أسمع كلام غيرك بعد ما سمعت منك. (وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانِي) : حتى ينطلق بمخاطبة غيرك ، وقوّنى حتى أردّ ما أردّ ... بك لا بي
قوله جل ذكره : (وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي (٢٩) هارُونَ أَخِي (٣٠) اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي (٣١))
__________________
(١) أخطأ الناسخ إذ جعلها (لنريه).