وأمرهم أن يتقووا بما تصل إليه أيديهم ، وأن ينتفعوا ـ ما أمكنهم ـ بأنعامهم ليكمل لديهم إنعامهم.
قوله جل ذكره : (مِنْها خَلَقْناكُمْ وَفِيها نُعِيدُكُمْ وَمِنْها نُخْرِجُكُمْ تارَةً أُخْرى (٥٥))
إذ خلقنا آدم من التراب ، وإذ أخرجناكم من صلبه .. فقد خلقناكم من التراب أيضا. والأجساد قوالب والأرواح ودائع ، والقوالب نسبتها التّربة (١) ، والودائع صفتها القربة (٢) ، فالقوالب يزيّنها بأفضاله ، والودائع يحييها بكشف جلاله ولطف جماله. وللقوالب اليوم اعتكاف على بساط عبادته ، وللودائع اتصاف بدوام معرفته.
قوله جل ذكره : (وَلَقَدْ أَرَيْناهُ آياتِنا كُلَّها فَكَذَّبَ وَأَبى (٥٦))
أمره بجهره ، وأعماه عن شهود ذلك بسره ، فما نجع فيه كلامه ، وما انتفع بما حذّره من انتقامه ، ويسر له من إنعامه.
قوله جل ذكره : (قالَ أَجِئْتَنا لِتُخْرِجَنا مِنْ أَرْضِنا بِسِحْرِكَ يا مُوسى (٥٧) فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ فَاجْعَلْ بَيْنَنا وَبَيْنَكَ مَوْعِداً لا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلا أَنْتَ مَكاناً سُوىً (٥٨))
دعاهم موسى إلى الله ، وخاطبهم فى حديث الآخرة من تبشير بثواب ، وإنذار بعذاب ، فلم يجيبوا إلّا من حيث الدنيا ، وما زادهم تذكيرا إلا ازدادوا غفلة وجهاله.
__________________
(١ ، ٢) وردتا (البرية) و (القوية) ولم نجد للجملتين معنى على ذلك ـ فى حدود ما نعرف ـ بينما لو صارت النسبة إلى (التربة) كما تشير الآية وكما يشير كلام المصنف فى بداية الفقرة ، ثم لو جعلنا (القرية) بدل (القوية) لا نسجم السياق ، ونحن فى هذا لا نصدر إلا عن استخدام القشيري لهذا الأسلوب فى مواضع مماثلة ـ والله اعلم.