قال لهم موسى بل ألقوا أنتم ، وليس ذلك إذنا لهم فى السحر ، ولكن أراد الحقّ إظهار تمويههم ، فلمّا خيّلوا للناس بإلقاء الحبال أنها حيات ابتلعت عصا موسى جملة ما صنعوا ، وتحقّق السّحرة أنّ ذلك أمر سماوىّ حيث تلاشى عين ما كان معهم من أوقار (١) الحبال ، وصار الثعبان عصا كما كان ، فسجدوا لله مؤمنين ، وانقلب فرعون وقومه خائبين ، وتوعّدهم بالقتل والصّلب ، وفنون من العذاب الصعب ، وبعد ما كانوا يقسمون بعزّة فرعون صاروا يحلفون بالله.
قوله جل ذكره : (قالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلى ما جاءَنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالَّذِي فَطَرَنا فَاقْضِ ما أَنْتَ قاضٍ إِنَّما تَقْضِي هذِهِ الْحَياةَ الدُّنْيا (٧٢))
أي بالله الذي فطرنا إنّا لن نؤثرك على ما جاءنا من البينات. ولما طلعت فى أسرارهم شموس العرفان ، وانبسطت عليهم أنوار العناية أبصروا الحقّ سبحانه بأسرارهم ؛ فنطقوا ببيان التصديق ، وسجدوا بقلوبهم لمشهودهم ، ولم يحتشموا مما توعدهم به من العقوبة ، ورأوا ذلك من الله فاستعذبوا البلاء ، وتحملوا اللأواء (٢) ، فكانوا فى الغداة كفارا سحرة ، وأمسوا أخيارا بررة (٣).
قوله (فَاقْضِ ما أَنْتَ قاضٍ ...) علموا أنّ البلاء فى الدنيا ينقضى ـ وإن تمادى ، وينتهى وإن تناهى (٤)
قوله جل ذكره : (إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنا لِيَغْفِرَ لَنا خَطايانا وَما أَكْرَهْتَنا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللهُ خَيْرٌ وَأَبْقى (٧٣))
أهمّ الأشياء ـ على من عرفه ـ مغفرته لخطاياه ؛ فهذا آدم ـ عليهالسلام ـ لما
__________________
(١) الأوقار جمع وقر ـ الحمل الثقيل.
(٢) اللأواء ـ ضيق المعيشة وشدة المرض (الوسيط).
(٣) فى هذه الإشارة فتح الباب الأمل امام العصاة نظرا لقصر المسافة بين الكفر والايمان ، فهى كما بين الغداة والمساء.
(٤) أي وإن تناهى فى الشدة.