يذكّرهم آلاءه ، ويعدّ عليهم نعماءه ، ويأمرهم بالتزام الطاعة والقيام بالشكر لما أسبغ عليهم من فنون النّعم ، ثم يذكرهم ما منّ به على أسلافهم من إنزال المنّ والسلوى ، وضروب المحن وفنون البلوى.
قوله جل ذكره : (كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ وَلا تَطْغَوْا فِيهِ)
الطيب ما كان حلالا. ويقال الطيب من الرزق ما لا يعصى الله مكتسبه. ويقال الطيب من الرزق ما يكون على مشاهدة الرزاق. ويقال الطيب من الرزق ما حصل منه الشكر. ويقال الطيب من الرزق ما يأخذه العبد من الله ؛ فما لأهل الجنة مؤجّل فى عقباهم جهرا ، معجّل لأصفيائه فى دنياهم سرّا ، قال تعالى : (آخِذِينَ ما آتاهُمْ رَبُّهُمْ) (١).
والأرزاق مختلفة ؛ فلأقوام حظوظ النفوس ولآخرين حقوق القلوب ، ولأقوام شهود الأسرار ؛ فرزق النفوس التوفيق ، ورزق القلوب التصديق ، ورزق الأرواح التحقيق (٢).
قوله : (وَلا تَطْغَوْا فِيهِ) : بمجاوزة الحلال إلى الحرام.
ويقال (لا تَطْغَوْا فِيهِ) : بالزيادة على الكفاف (٣) ، وما لا بدّ منه مما زاد على سدّ الرمق.
ويقال (لا تَطْغَوْا فِيهِ) : بالأكل على الغفلة والنسيان.
قوله جل ذكره : (فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوى).
فيحل عليكم غضبى بالخذلان لمتابعة الزّلّة بعد الزّلّة.
ويقال فيحل عليكم غضبى لفقدكم التأسّف على ما فاتكم.
ويقال بالرضا بما أنتم فيه من نقصان الحال.
__________________
(١) آية ١٦ سورة الذاريات.
(٢) نضع ذلك فى اعتبارنا عند بحث الملكات الباطنية ، ووظائفها وآفاتها ... وأرزاقها.
(٣) الكفاف من الرزق ما كان على مقدار الحاجة من غير زيادة ولا نقصان.