وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ (٢٤))
دلت الآية على فساد القول بالتقليد ، ووجوب إقامة الحجة والدليل.
ودلّت الآية على توحيد المعبود ، ودلّت الآية على إثبات الكسب للعبيد ؛ إذ لولاه لم يتوجه عليهم اللوم والعتب (١). وكلّ من علّق قلبه بمخلوق ، أو توهّم من غير الله حصول شىء فقد دخل فى غمار هؤلاء لأنّ الإله من يصحّ منه الإيجاد.
قوله : (هذا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي) : الإشارة منه أن الدّين توحيد الحق ، وإفراد الربّ على وصف التفرد ونعت الوحدانية.
ثم قال : (بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ) إنما عدموا العلم لإعراضهم عن النظر ، ولو وضعوا النظر موضعه لوجب لهم العلم لا محالة ، والأمر يدل على وجوب النظر ، وأنّ العلوم الدينية كلّها كسبية (٢).
قوله جل ذكره : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ (٢٥))
التوحيد فى كل شريعة واحد ، والتعبد ـ على من أرسل إليه الرسول ـ واجب ، ولكنّ الأفعال للنسخ والتبديل معرّضة ، أما التوحيد وطريق الوصول إليه فلا يجوز فى ذلك النسخ والتبديل.
قوله جل ذكره : (وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً سُبْحانَهُ بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ (٢٦))
فى الآية رخصة فى ذكر أقاويل أهل الضلال والبدع على وجه الردّ عليهم ، وكشف
__________________
(١) هذا راى على جانب خطير من الأهمية فى علم الكلام ، وصدوره عن باحث صوفى يعرف أن المريد ـ على الحقيقة ـ من لا إرادة له يزيد فى أهمية الأمر.
(٢) فى هذا رد على من يتهمون الصوفية بإنكارهم للعلم.