حُكْماً وَعِلْماً) ولمن قال بتصويب أحدهما وتخطئة الآخر فله تعلّق بقوله : (فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ) (١)
قوله جل ذكره : (وَسَخَّرْنا مَعَ داوُدَ الْجِبالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فاعِلِينَ)
أمر الجبال وسخّرها لتساعد داود ـ عليهالسلام ـ فى التسبيح ، ففى الأثر : كان داود ـ عليهالسلام ـ يمرّ وصفاح (٢) الجبال تجاويه ، وكذلك الطيور كانت تساعده عند تأويبه.
قوله جل ذكره : (وَعَلَّمْناهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شاكِرُونَ (٨٠))
سخّر الله ـ سبحانه ـ لداود الحديد وألانه فى يده ، فكان ينسج الدروع ، قال تعالى : (وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ) ليتحصن من السهام فى الحروب ، قال تعالى : (وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ) وأحكم الصنعة وأوثق المسامير .. ولكن لما قصدته سهام التقدير ما أصابت إلا حدقته حين نظر إلى امرأة أوريا ـ من غير قصد ـ فكان ما كان.
ولقد خلا ذلك اليوم ، وأغلق على نفسه باب البيت ، وأخذ يصلى ساعة ، ويقرأ التوراة مرة ، والزبور أخرى ، حتى يمضى وينتهى ذلك اليوم بالسلامة. وكان قد أوحى إليه أنّه يوم فتنة ، فأمر الحجّاب والبواب ألا يؤذن عليه أحد ، فوقع من كوّة البيت طير لم ير مثله
__________________
(١) هذا رأى القشيري فى (الاجتهاد) ومداه ، ويجدر الاهتمام به إذا شئنا أن نبحث فى «أصول الفقه عند الصوفية».
(٢) صفاح جمع صفح ، وصفح الشيء عرضه (مقاييس اللغة ج ٣ ص ٢٩٣).
ويقول القرطبي (قال وهب : كان داود يمر بالجبال مسبحا ، والجبال تجاوبه بالتسبيح ، وكذلك الطير) ويضيف القرطبي شيئا هاما بالنسبة للتفسير الصوفي : (كان داود إذا وجد فترة أمر الجبال فسبحت حتى بشتاتى ، ولهذا قال : (وَسَخَّرْنا) أي جعلناها بحيث تطيعه).
«الجامع لأحكام القرآن ج ١١ ص ٣١٩»
وبهذه المناسبة نود أن نستدرك شيئا لم نشر إليه فى مدخل الكتاب ، وهو أن القرطبي كثيرا ما يستفيد من آراء الصوفية ، وبصفة خاصة من القشيري ، وهو في معظم الأحيان عبد الرحمن القشيري أحد أبناء المصنف.