ذلك معناه ، ولا يكون الذي يجرّى عليه ما يجرى مضطرا إلى ما يجرى. وليس يمكن أن يقال إنه ليس له اختيار (١) ، بل يكون مختارا ولكنّ سببه عليه مشكل ، والعجب من هذا أن العبارة عنه كالبعيد.
قوله جل ذكره : (لَكُمْ فِيها مَنافِعُ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّها إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ (٣٣))
لكلّ من تلك الجملة منفعة بقدره وحدّه (٢) ؛ فلأقوام بركات فى دفع البلايا عن نفوسهم وعن أموالهم ، ولآخرين فى لذاذات بسطهم ، ولآخرين فى حلاوة طاعاتهم ، ولآخرين فى أنس أنفاسهم.
قوله جل ذكره : (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنا مَنْسَكاً لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلى ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ)
الشرائع مختلفة فيما كان من المعاملات ، متفقة فيما كان من جملة المعارف ، ثم هم فيها مختلفون : فقوم هم أصحاب التضعيف (٣) فيما أوجب عليهم وجعل لهم ، وقوم هم أصحاب التخفيف فيما ألزموا وفيما وعد لهم. قوله (لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلى ..) وذكر اسم الله على ما رزقهم على أقسام : منها معرفتهم إنعام الله بذلك عليهم .. وذلك من حيث الشكر ، ثم يذكرون اسمه على ما رفقهم لمعرفته بأنه هو الذي يتقبل منهم وهو الذي يثيبهم.
قوله جل ذكره : (فَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ).
أي استسلموا لحكمه بلا تعبيس ولا استكراه من داخل القلب.
__________________
(١) هذه وجهة نظر باحث صوفى فيما يشغل المتكلمين عن الجبر والاختيار.
(٢) أي بحسب ماله من قدر وهمة ، وما هو واقف عنده من حد ورتبة.
(٣) أصحاب التضعيف أي أصحاب التشدد الذين يأبون اتباع الرخص ، لأن الرخص لا تكون إلا لأرباب الحوائج والأشغال وهؤلاء لا حاجة ولا شغل لهم إلا بالحق.