قوله جل ذكره : (فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها وَهِيَ ظالِمَةٌ فَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها)
الظلم يوجب خراب أوطان الظالم ، فتخرب أولا أوطان راحة الظالم وهو قلبه ، فالوحشة التي هى غالبة على الظّلمة من ضيق صدورهم ، وسوء أخلاقهم ، وفرط غيظ من يظلمون عليهم .. كل ذلك من خراب أوطان راحاتهم ، وهو فى الحقيقة من جملة العقوبات التي تلحقهم على ظلمهم.
ويقال خراب منازل الظّلمة ربما يتأخر وربما يتعجل. وخراب نفوسهم فى تعطلها عن العبادات لشؤم ظلمهم ، وخراب قلوبهم باستيلاء الغفلة عليهم خصوصا فى أوقات صلواتهم وأوان خلواتهم .. نقد (١) غير مستأخر.
قوله جل ذكره : (وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ).
الإشارة فى (بِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ) : إلى العيون المتفجرة التي كانت فى بواطنهم ، وكانوا يستقون منها ، وفى ذلك الاستقاء حياة أوقاتهم من غلبات الإرادة وقوة المواجيد ، فإذا اتصفوا بظلمهم غلب غشاؤها (٢) وانقطع ماؤها بانسداد عيونها.
والإشارة فى (قَصْرٍ مَشِيدٍ) إلى تعطيل أسرارهم عن ساكنيها من الهيبة والأنس ، وخلوّ أرواحهم من أنوار المحابّ ، وسلطان الاشتياق ، وصنوف المواجيد.
قوله جل ذكره : (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِها أَوْ آذانٌ يَسْمَعُونَ بِها فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ (٤٦))
__________________
(١) (نقد) هنا معناها معجّل ، تقابل (وعد) فى المؤجّل.
(٢) الغثاء ـ الفاسد من الماء ، الممتلئ ببقايا الأشياء من وجه الأرض والرغوة القدرة.