يرسل رياح الكرم فتهب على قلوب ذوى الحاجات فتزعجها إلى طلب مبارّه ، ويرسل رياح الولاية فتهب على قلوب الخواص فتطهرها من جميع الإرادات فتكفى بالله لله ، ويرسل رياح الخوف على قلوب العصاة فتحملهم على النّدم ، وتطهرها من الإصرار فترجع إلى التوبة ، ويرسل رياح الاشتياق على قلوب الأحباب فتزعجها عن المساكنات ، وتطهرها عن كل شىء إلا عن اللواعج فلا تستقرّ إلا بالكشف والتجلّى.
ويقال إذا تنسّم القلب نسيم القرب هام فى ملكوت الجلال ، وامتحى عن كل مرسوم ومعهود.
قوله جل ذكره : (وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنا أَنْعاماً وَأَناسِيَّ كَثِيراً وَلَقَدْ صَرَّفْناهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُوراً).
أنزل من السماء ماء المطر فأحيا به الغياض والرياض ، وأنبت به الأزهار والأنوار ، وأنزل من السماء ماء الرحمة فغسل العصاة ما تلطخوا به من الأوضار ، وما تدنّسوا به من الأوزار.
و «الطّهور» هو الطاهر المطهّر ، وماء الحياء يطهر قلوب العارفين عن الجنوح إلى المساكنات ، وما يتداخلها فى بعض الأحيان من الغفلات. وماء الرعاية يحيي به قلوب المشتاقين بما يتداركها من أنوار التجلّى حتى يزول عنها عطش الاشتياق ويحصل فيها من سكينة الاستقلال ، ويحيى به نفوسا ميتة باتباع (١) الشهوات فيردها إلى القيام بالعبادات.
قوله جل ذكره (وَلَوْ شِئْنا لَبَعَثْنا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيراً (٥١))
__________________
(١) الباء في (باتباع) معناها (بسبب).