فعلقوه بسور من سور المدينة ، وقبروه (١) بأنطاكية فأدخله الله الجنة ، وهو حي فيها يرزق.
فذلك قوله [عزوجل] : (قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ) ، فلما أفضى إلى الجنة ، (قالَ يا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ).
(بِما غَفَرَ لِي رَبِّي) ، أي بغفران ربي لي ، (وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ) ، تمنى أن يعلم قومه أن الله غفر له وأكرمه ، ليرغبوا في دين الرسل ، فلما قتل حبيب غضب الله له وعجل لهم النقمة ، فأمر جبريل [عليهالسلام] فصاح بهم صيحة واحدة فماتوا عن آخرهم.
(وَما أَنْزَلْنا عَلى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّماءِ وَما كُنَّا مُنْزِلِينَ (٢٨) إِنْ كانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً واحِدَةً فَإِذا هُمْ خامِدُونَ (٢٩) يا حَسْرَةً عَلَى الْعِبادِ ما يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (٣٠) أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لا يَرْجِعُونَ (٣١) وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ (٣٢))
فذلك قوله : (وَما أَنْزَلْنا عَلى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّماءِ) ، يعني الملائكة ، (وَما كُنَّا مُنْزِلِينَ) [أي](٢) وما كنا نفعل هذا بل الأمر في إهلاكهم كان أيسر مما يظنون. وقيل : معناه (وَما أَنْزَلْنا عَلى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ) أي على قوم حبيب من بعد قتله (مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّماءِ) وما كنا ننزلهم (٣) على الأمم إذا أهلكناهم ، كالطوفان والصاعقة والريح ، ثم بين عقوبتهم :
فقال تعالى : (إِنْ كانَتْ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً) ، وقرأ أبو جعفر : صيحة واحدة ، بالرفع جعل الكون بمعنى الوقوع. قال المفسرون : أخذ جبريل بعضادتي باب المدينة ثم صاح بهم صيحة واحدة ، (فَإِذا هُمْ خامِدُونَ) ، ميتون.
(يا حَسْرَةً عَلَى الْعِبادِ) ، قال عكرمة : يعني يا حسرتهم على أنفسهم والحسرة شدة الندامة.
وفيه قولان : أحدهما : يقول الله تعالى : (يا حَسْرَةً) وندامة وكآبة على العباد يوم القيامة حين لم يؤمنوا بالرسل ، والآخر أنه من قول الهالكين.
قال أبو العالية : لما عاينوا العذاب قالوا : يا حسرة أي ندامة على العباد (٤). يعني [على](٥) الرسل الثلاثة حيث لم يؤمنوا بهم ، فتمنوا الإيمان حين لم ينفعهم.
قال الأزهري : الحسرة لا تدعى ودعاؤها تنبيه المخاطبين.
وقيل : العرب تقول : يا حسرتا (٦) ويا عجبا على طريق المبالغة والنداء عندهم بمعنى التنبيه ، فكأنه يقول : أيها العجب هذا وقتك؟ وأيتها الحسرة هذا أوانك؟ وحقيقة المعنى أن هذا أوانك؟ وحقيقة المعنى أن هذا زمان الحسرة والتعجب ، ثم بين سبب الحسرة والندامة ، فقال : (ما يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ).
(أَلَمْ يَرَوْا) ، ألم يخبروا يعني أهل مكة ، (كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ) ، والقرن أهل كل عصر ، سموا بذلك لاقترانهم في الوجود ، (أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لا يَرْجِعُونَ) ، أي لا يعودون إلى الدنيا أفلا يعتبرون بهم.
__________________
(١) في المطبوع «وقبره» والمثبت عن المخطوط.
(٢) زيادة عن المخطوط.
(٣) في المطبوع «من جند ، وما كنا منزلين ، ننزلهم على الأمم» والمثبت عن «ط» والمخطوط.
(٤) زيد في المطبوع «يعني على العباد».
(٥) زيادة عن «ط» والمخطوط.
(٦) في المطبوع «يا حسرتي».