(سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بالَهُمْ (٥) وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَها لَهُمْ (٦) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدامَكُمْ (٧))
(سَيَهْدِيهِمْ) ، أيام حياتهم في الدنيا إلى أرشد الأمور ، وفي الآخرة إلى الدرجات ، (وَيُصْلِحُ بالَهُمْ) ، يرضى خصماءهم ويقبل أعمالهم.
(وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَها لَهُمْ) (٦) ، أي بيّن لهم منازلهم في الجنة حتى يهتدوا إلى مساكنهم لا يخطئونها ولا يستدلون عليها أحدا كأنهم سكانها منذ خلقوا فيكون المؤمن أهدى إلى درجته ، وزوجته وخدمه إلى منزله وأهله في الدنيا ، هذا قول أكثر المفسرين.
وروى عطاء عن ابن عباس : (عَرَّفَها لَهُمْ) أي طيبها لهم من العرف ، وهو الريح الطيبة وطعام معرف أي مطيب.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ) ، أي دينه ورسوله ، (يَنْصُرْكُمْ) ، على عدوكم ، (وَيُثَبِّتْ أَقْدامَكُمْ) ، عند القتال.
(وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْساً لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمالَهُمْ (٨) ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا ما أَنْزَلَ اللهُ فَأَحْبَطَ أَعْمالَهُمْ (٩) أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكافِرِينَ أَمْثالُها (١٠) ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكافِرِينَ لا مَوْلى لَهُمْ (١١) إِنَّ اللهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَما تَأْكُلُ الْأَنْعامُ وَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ (١٢) وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْناهُمْ فَلا ناصِرَ لَهُمْ (١٣) أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ (١٤))
(وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْساً لَهُمْ) ، قال ابن عباس : بعدا لهم. وقال أبو العالية : سقوطا لهم. وقال الضحاك : خيبة لهم. وقال ابن زيد : شقاء لهم. قال الفراء : هو نصب على المصدر ، على سبيل الدعاء. وقيل : في الدنيا العثرة ، وفي الآخرة التردي في النار. ويقال للعاثر : تعسا إذا لم يريدوا قيامة ، وضده لما (١) إذا أرادوا قيامه ، (وَأَضَلَّ أَعْمالَهُمْ) ، لأنها كانت في طاعة الشيطان.
(ذلِكَ) التعس والإضلال ، (بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا ما أَنْزَلَ اللهُ فَأَحْبَطَ أَعْمالَهُمْ) ، ثم خوّف الكفار.
فقال : (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللهُ عَلَيْهِمْ) ، أي أهلكهم ، (وَلِلْكافِرِينَ أَمْثالُها) ، أي لم يؤمنوا يتوعد مشركي مكة.
(ذلِكَ) ، الذي ذكرت ، (بِأَنَّ اللهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا) ، وليهم وناصرهم ، (وَأَنَّ الْكافِرِينَ لا مَوْلى لَهُمْ) ، لا ناصر لهم ، ثم ذكر مآل الفريقين فقال :
(إِنَّ اللهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ) ، في الدنيا ، (وَيَأْكُلُونَ كَما تَأْكُلُ الْأَنْعامُ) ، ليس لهم همة إلّا بطونهم وفروجهم ، وهم لاهون ساهون عما في غد ، قيل : المؤمن في الدنيا يتزود والمنافق يتزين والكافر يتمتع ، (وَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ).
(وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ) ، أي أشد قوة من أهل مكة ، (الَّتِي أَخْرَجَتْكَ) ، أي أخرجك
__________________
(١) في المطبوع «أما» وفي المخطوط (ب) «نفا» والمثبت عن ط والمخطوط (أ)