(وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَوْ لا نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَأَوْلى لَهُمْ (٢٠) طاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ فَإِذا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللهَ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ (٢١) فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ (٢٢))
(وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا) ، حرصا منهم على الجهاد ، (لَوْ لا نُزِّلَتْ سُورَةٌ) ، تأمرنا بالجهاد ، (فَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتالُ) ، قال قتادة : كل سورة ذكر فيها الجهاد فهي محكمة وهي أشد القرآن على المنافقين ، (رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) ، يعني المنافقين ، (يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ) ، شزرا بتحديق شديد كراهية منهم للجهاد وجبنا عن لقاء العدو ، (نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ) ، كما ينظر الشاخص بصره عند الموت ، (فَأَوْلى لَهُمْ) ، وعيد وتهديد ، ومعنى قولهم في التهديد أولى لك أي وليك وقاربك ما تكره.
ثم قال : (طاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ) ، وهذا ابتداء محذوف الخبر تقديره : طاعة ، وقول معروف أمثل ، أي لو أطاعوا وقالوا قولا معروفا كان أمثل وأحسن. وقيل : مجازه يقول هؤلاء المنافقون قبل نزول السورة المحكمة طاعة رفع على الحكاية أي أمرنا طاعة أو منّا طاعة ، وقول معروف حسن. وقيل : هو متصل بما قبله واللام في قوله بمعنى الباء ، مجازه : فأولى بهم طاعة الله ورسوله ، وقول معروف بالإجابة ، أي لو أطاعوا [وأجابوا](١) كانت الطاعة والإجابة أولى بهم ، وهذا معنى قول ابن عباس في رواية عطاء. (فَإِذا عَزَمَ الْأَمْرُ) ، أي جد الأمر ولزم فرض القتال وصار الأمر معزوما (٢) ، (فَلَوْ صَدَقُوا اللهَ) ، في إظهار الإيمان والطاعة ، (لَكانَ خَيْراً لَهُمْ) ، وقيل جواب إذا محذوف تقديره فإذا عزم الأمر نكلوا وكذبوا فيما وعدوا ولو صدقوا الله لكان خيرا لهم.
(فَهَلْ عَسَيْتُمْ) ، فلعلكم [قرأ نافع عسيتم بكسر السين والباقون بفتحها وهما لغتان والفتح أفصح](٣)(إِنْ تَوَلَّيْتُمْ) ، أعرضتم عن القرآن وفارقتم أحكامه ، (أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ) ، تعودوا إلى ما كنتم عليه في الجاهلية فتفسدوا في الأرض بالمعصية والبغي وسفك الدماء ، وترجعوا إلى الفرقة بعد ما جمعكم الله بالإسلام. (وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ) ، قرأ يعقوب (وَتُقَطِّعُوا) بفتح التاء خفيف ، والآخرون بالتشديد من التقطيع على التكثير لأجل الأرحام ، قال قتادة : كيف رأيتم القوم حين تولوا عن كتاب الله ألم يسفكوا الدم الحرام ، وقطعوا الأرحام ، وعصوا الرحمن؟ وقال بعضهم : هو من الولاية. وقال المسيب بن شريك والفراء : يقول فهل عسيتم إن وليتم أمر الناس أن تفسدوا في الأرض بالظلم ، نزلت في بني أمية وبني هاشم ، يدل عليه قراءة علي بن أبي طالب (تَوَلَّيْتُمْ) بضم التاء والواو وكسر اللام ، يقول : إن وليتكم ولاة جائزة خرجتم معهم في الفتنة وعاونتموهم.
(أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمى أَبْصارَهُمْ (٢٣) أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها (٢٤) إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلى أَدْبارِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلى لَهُمْ (٢٥) ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا ما نَزَّلَ اللهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللهُ يَعْلَمُ إِسْرارَهُمْ (٢٦))
(أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمى أَبْصارَهُمْ) (٢٣) ، عن الحق.
__________________
(١) زيادة عن المخطوط (ب)
(٢) في المخطوط (أ) «معروفا».
(٣) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع واستدرك من «تفسير الطبري».