(وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِاللهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّا أَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ سَعِيراً (١٣) وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً (١٤) سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ) ، يعني هؤلاء الذين تخلفوا عن الحديبية ، (إِذَا انْطَلَقْتُمْ) ، سرتم وذهبتم أيها المؤمنون ، (إِلى مَغانِمَ لِتَأْخُذُوها) ، يعني غنائم خيبر ، (ذَرُونا نَتَّبِعْكُمْ) ، إلى خيبر لنشهد معكم قتال أهلها ، وذلك أنهم لما انصرفوا من الحديبية وعدهم الله فتح خيبر وجعل غنائمها لمن شهد الحديبية خاصة عوضا عن غنائم أهل مكة إذا انصرفوا عنهم على صلح ولم يصيبوا منهم شيئا ، قال الله تعالى : (يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللهِ) ، قرأ حمزة والكسائي : كلم الله بغير ألف جمع كلمة ، وقرأ الآخرون : (كَلامَ اللهِ) ، يريدون أن يغيروا مواعيد الله تعالى لأهل الحديبية بغنيمة خيبر خاصة.
وقال مقاتل : يعني أمر الله نبيه صلىاللهعليهوسلم أن لا يسير منهم أحد ، قال ابن زيد : هو قول الله عزوجل : [فإن رجعك الله إلى طائفة منهم](١)(فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَداً) [التوبة : ٨٣] ، والأول أصوب ، وعليه عامة أهل التأويل ، (قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونا) ، إلى خيبر ، (كَذلِكُمْ قالَ اللهُ مِنْ قَبْلُ) ، أي من قبل مرجعنا إليكم أن غنيمة خيبر لمن شهد الحديبية ليس لغيرهم فيها نصيب ، (فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنا) ، أي يمنعكم الحسد من أن نصيب معكم الغنائم ، (بَلْ كانُوا لا يَفْقَهُونَ) ، لا يعلمون عن الله ما لهم وعليهم من الدين ، (إِلَّا قَلِيلاً) ، منهم وهو من صدق الله والرسول.
(قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرابِ سَتُدْعَوْنَ إِلى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللهُ أَجْراً حَسَناً وَإِنْ تَتَوَلَّوْا كَما تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً (١٦) لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَمَنْ يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذاباً أَلِيماً (١٧) لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ ما فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً (١٨))
(قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرابِ سَتُدْعَوْنَ إِلى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ) ، قال ابن عباس ومجاهد وعطاء : هم أهل فارس. وقال كعب : هم الروم : وقال الحسن : فارس والروم. وقال سعيد بن جبير : هوازن وثقيف. وقال قتادة : هوازن وغطفان يوم حنين. وقال الزهري ومقاتل وجماعة : هم بنو حنيفة أهل اليمامة أصحاب مسيلمة الكذاب. قال رافع بن خديج : كنا نقرأ هذه الآية ولا نعلم من هم حتى دعا أبو بكر إلى قتال بني حنيفة ، فعلمنا أنهم هم. وقال ابن جريج : دعاهم عمر رضي الله عنه إلى قتال فارس. وقال أبو هريرة : لم يأت تأويل هذه الآية بعد. (تُقاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللهُ أَجْراً حَسَناً) ، يعني الجنة ، (وَإِنْ تَتَوَلَّوْا) ، تعرضوا (كَما تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ) ، عام الحديبية ، (يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً) ، وهو النار ، فلما نزلت هذه الآية قال أهل الزمانة : كيف بنا يا رسول الله؟
فأنزل الله تعالى : (لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ) ، يعني في التخلف عن الجهاد ، (وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَمَنْ يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذاباً أَلِيماً) ، قرأ أهل المدينة والشام ندخله ونعذبه ، بالنون فيهما ، وقرأ الآخرون بالياء لقوله : (وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ).
__________________
(١) زيادة عن المخطوط.