نبي الله قد والله أوفى الله ذمتك قد رددتني إليهم ثم أنجاني الله منهم ، فقال النبي صلىاللهعليهوسلم : «ويل أمه مسعر حرب ، لو كان معه أحد» فلما سمع ذلك عرف أنه سيرده إليهم ، فخرج حتى أتى سيف البحر ، وبلغ المسلمين الذين كانوا احتبسوا بمكة قول رسول الله صلىاللهعليهوسلم لأبي بصير : ويل أمه مسعر حرب لو كان معه أحد فخرج عصابة منهم إليه ، وانفلت أبو جندل بن سهيل فلحق بأبي بصير حتى اجتمع إليه قريب من سبعين رجلا ، فو الله ما يسمعون بعير (١) خرجت لقريش إلى الشام إلّا اعترضوا لها فقتلوهم وأخذوا أموالهم ، فأرسلت قريش إلى النبي صلىاللهعليهوسلم تناشده الله والرحم لما أرسل إليهم ، فمن أتاه فهو آمن ، فأرسل إليهم النبي صلىاللهعليهوسلم ، فقدموا عليه بالمدينة ، فأنزل الله تعالى : (وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكانَ اللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً) حتى بلغ (حَمِيَّةَ الْجاهِلِيَّةِ) ، وكانت حميتهم أنهم لم يقروا أنه نبي الله صلىاللهعليهوسلم ، ولم يقروا ببسم الله الرحمن الرحيم ، وحالوا بينه وبين البيت.
قال الله تعالى : (هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا) ، يعني كفار مكة ، (وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) ، أن تطوفوا به. (وَالْهَدْيَ) ، أي وصدوا الهدي وهي البدن التي ساقها رسول الله صلىاللهعليهوسلم وكانت سبعين بدنة ، (مَعْكُوفاً) ، محبوسا ، يقال : عكفته عكفا إذا حبسته (٢) وعكوفا لازم ، كما يقال : رجع رجعا ورجوعا ، (أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ) ، منحره وحيث يحل نحره يعني الحرم ، (وَلَوْ لا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِساءٌ مُؤْمِناتٌ) ، يعني المستضعفين بمكة ، (لَمْ تَعْلَمُوهُمْ) ، لم تعرفوهم ، (أَنْ تَطَؤُهُمْ) ، بالقتال وتوقعوا بهم ، (فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ) ، قال ابن زيد : معرة إثم. وقال ابن إسحاق : غرم الدية. وقيل : الكفارة لأن الله أوجب على قاتل المؤمن في دار الحرب إذا لم يعلم إيمانه الكفارة دون الدية ، فقال الله عزوجل : (فَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ) [النساء : ٩٢] ، وقيل : هو أن المشركين يعيبونكم ويقولون قتلوا أهل دينهم ، والمعرة المشقة ، يقول : لو لا أن تطئوا رجالا مؤمنين ونساء مؤمنات لم تعلموهم فيلزمكم بهم كفارة أو يلحقكم سيئة (٣) ، وجواب لو لا محذوف ، تقديره : لأذن لكم في دخولها ولكنه حال بينكم وبين ذلك. (لِيُدْخِلَ اللهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ) ، فاللام في ليدخل متعلق بمحذوف دلّ عليه معنى الكلام ، يعني حال بينكم وبين ذلك ليدخل الله في رحمته في دين الإسلام من يشاء من أهل مكة بعد الصلح قبل أن تدخلوها ، (لَوْ تَزَيَّلُوا) ، لو تميزوا يعني المؤمنين من الكفار ، (لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً) ، بالسبي والقتل بأيديكم ، وقال بعض أهل العلم : لعذبنا جواب لكل من الآيتين (٤) أحدهما : (وَلَوْ لا رِجالٌ) ، والثاني : (لَوْ تَزَيَّلُوا) ، ثم قال : (لِيُدْخِلَ اللهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ) ، يعني المؤمنين والمؤمنات ، وقوله : (فِي رَحْمَتِهِ) ، أي جنته. وقال قتادة في هذه الآية : إن الله يدفع بالمؤمنين عن الكفار كما دفع بالمستضعفين من المؤمنين عن مشركي مكة.
(إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجاهِلِيَّةِ فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوى وَكانُوا أَحَقَّ بِها وَأَهْلَها وَكانَ اللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً (٢٦) لَقَدْ صَدَقَ اللهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لا تَخافُونَ فَعَلِمَ ما لَمْ تَعْلَمُوا
__________________
(١) في المطبوع «ببعير» والمثبت عن «صحيح البخاري» والمخطوط.
(٢) في المخطوط (ب) «حبسه» والمثبت عن المطبوع والمخطوط (أ)
(٣) كذا في المخطوط (أ) والمطبوع و «ط» وفي المخطوط (ب) «سيئة».
(٤) في المطبوع و «ط» والمخطوط (أ) «الكلامين» والمثبت عن المخطوط (ب)