كالأسد على فريسته لا تأخذهم فيهم رأفة ، (رُحَماءُ بَيْنَهُمْ) ، متعاطفون متوادون بعضهم لبعض ، كالولد مع الوالد ، كما قال : (أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ) [المائدة : ٥٤] : (تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً) ، أخبر عن كثرة صلاتهم ومداومتهم عليها ، (يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللهِ) ، أن يدخلهم الجنة ، (وَرِضْواناً) ، أن يرضى عنهم ، (سِيماهُمْ) ، أي علامتهم ، (فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ).
اختلفوا في هذا السيما.
فقال قوم : هو نور وبياض في وجوههم يوم القيامة يعرفون به أنهم سجدوا في الدنيا ، وهو رواية عطية العوفي عن ابن عباس ، قال عطاء بن أبي رباح والربيع بن أنس : استنارت وجوههم من كثرة ما صلوا.
وقال شهر بن حوشب : تكون مواضع السجود من وجوههم كالقمر ليلة البدر.
وقال آخرون (١) : هو السمت الحسن والخشوع والتواضع. وهو رواية الوالبي عن ابن عباس قال : ليس بالذي ترون لكنه سيماء الإسلام وسجيته وسمته وخشوعه وهو قول مجاهد ، والمعنى أن السجود أورثهم الخشوع والسمت الحسن الذي يعرفون به.
وقال الضحاك : هو صفرة الوجه من السهر. قال الحسن : إذا رأيتهم حسبتهم مرضى وما هم بمرضى.
قال عكرمة وسعيد بن جبير : هو أثر التراب على الجباه. قال أبو العالية لأنهم يسجدون على التراب لا على الأثواب. وقال عطاء الخراساني : دخل في هذه الآية كل من حافظ على الصلوات الخمس. (ذلِكَ) ، الذي ذكرت ، (مَثَلُهُمْ) ، صفتهم (فِي التَّوْراةِ) ، هاهنا تم الكلام ثم ذكر نعتهم في الإنجيل ، فقال : (وَمَثَلُهُمْ) ، صفتهم ، (فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ).
قرأ ابن كثير وابن عامر : شطأه بفتح الطاء ، وقرأ الآخرون بسكونها وهما لغتان كالنهر والنهر ، وأراد فراخه ، يقال أشطأ الزرع فهو مشطئ ، إذا أفرخ ، قال مقاتل : هو نبت واحد فإذا خرج ما بعده فهو شطؤه.
وقال السدي : هو أن يخرج معه الطاقة الأخرى. قوله : (فَآزَرَهُ) ، قرأ ابن عامر : فأزره بالقصر والباقون بالمد ، أي قواه وأعانه وشدّ أزره ، (فَاسْتَغْلَظَ) غلظ ذلك الزرع ، (فَاسْتَوى) ، أي تم وتلاحق نباته وقام ، (عَلى سُوقِهِ) ، أصوله (يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ) ، أعجب ذلك
زراعه ، هذا مثل ضربه الله عزوجل لأصحاب محمد صلىاللهعليهوسلم في الإنجيل أنهم يكونون قليلا ، ثم يزادون ويكثرون.
قال قتادة : مثل أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم في الإنجيل مكتوب أنه سيخرج قوم ينبتون نبات الزرع يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر. وقيل : الزرع محمد والشطء أصحابه والمؤمنون.
وروي عن مبارك بن فضالة عن الحسن قال : (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ) أبو بكر الصديق رضي الله عنه ، (أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ) عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، (رُحَماءُ بَيْنَهُمْ) ، عثمان بن عفان رضي الله عنه ، (تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً) علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، (يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللهِ) بقية العشرة المبشرين بالجنة.
__________________
(١) في المخطوط (أ) «قوم».