عنها إذا الناس يهزون الأباعر ، فقال بعضهم : ما بال الناس؟ فقالوا : أوحي إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، قال فخرجنا نوجف (١) ، فوجدنا النبي صلىاللهعليهوسلم واقفا على راحلته عند كراع الغميم ، فلما اجتمع إليه الناس قرأ : (إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً) (١) [الفتح : ١] ، فقال عمر : أو فتح هويا رسول الله؟ قال : «نعم والذي نفسي بيده».
ففيه دليل على أن المراد بالفتح صلح الحديبية ، وتحقق الرؤيا كان في العام المقبل ، فقال جلّ ذكره : (لَقَدْ صَدَقَ اللهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِ) ، أخبر أن الرؤية التي أراها إياه في مخرجه إلى الحديبية أنه يدخل هو وأصحابه المسجد الحرام صدق وحق. قوله (لَتَدْخُلُنَ) يعني وقال : لتدخلن.
وقال ابن كيسان : لتدخلن من قول رسول الله صلىاللهعليهوسلم لأصحابه حكاية عن رؤياه ، فأخبر الله عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنه قال ذلك ، وإنما استثنى مع علمه بدخولها بإخبار الله تعالى ، تأدبا بآداب الله ، حيث قال له : (وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً (٢٣) إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) [الكهف : ٢٣]. وقال أبو عبيدة : (إِنْ) بمعنى إذ مجازه : إذ شاء الله ، كقوله (إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) [البقرة : ٩١] ، وقال الحسين بن الفضل : يجوز أن يكون الاستثناء من الدخول لأن بين الرؤيا وتصديقها سنة ، ومات في تلك السنة ناس فمجاز الآية : لتدخلن المسجد الحرام كلكم إن شاء الله ، وقيل الاستثناء واقع على الأمر لا على الدخول ، لأن الدخول لم يكن فيه شك.
[١٩٧٧] كقول النبي صلىاللهعليهوسلم عند دخول المقبرة : «وإنا إن شاء الله بكم لاحقون» ، فالاستثناء راجع إلى اللحوق [بأهل لا إله إلّا الله](٢) لا إلى الموت. (مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ) ، كلها ، (وَمُقَصِّرِينَ) ، يأخذ بعض شعورها ، (لا تَخافُونَ فَعَلِمَ ما لَمْ تَعْلَمُوا) ، أن الصلاح كان في الصلح وتأخير الدخول ، وهو قوله تعالى : (وَلَوْ لا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِساءٌ مُؤْمِناتٌ) ، الآية. (فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذلِكَ) ، أي من قبل دخولكم المسجد الحرام ، (فَتْحاً قَرِيباً) ، وهو صلح الحديبية عند الأكثرين ، وقيل : فتح خيبر.
(هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفى بِاللهِ شَهِيداً (٢٨) مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللهِ وَرِضْواناً سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوى عَلى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً (٢٩))
(هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفى بِاللهِ شَهِيداً) (٢٨) ، على أنك نبي صادق صالح فيما تخبر.
(مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ) ، تم الكلام هاهنا ، قال ابن عباس : شهد له بالرسالة. ثم قال مبتدئا (وَالَّذِينَ مَعَهُ) ، فالواو فيه واو الاستئناف أي : والذين معه من المؤمنين ، (أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ) ، غلاظ عليهم
__________________
[١٩٧٧] ـ صحيح. أخرجه مسلم ٢٤٩ ومالك ١ / ٢٨ والنسائي ١ / ٩٣ من حديث أبي هريرة مطوّلا ، وصدره «السلام عليكم دار قوم مؤمنين ...».
(١) في المطبوع «نرجف» والمثبت عن المخطوط و «سنن أبي داود».
ـ والوجف. الركض والإسراع.
(٢) ما بين المعقوفتين زيد في المطبوع فقط ، وهذه الزيادة ليست في «ط» ولا في المخطوط.