وأخبره بذلك ، فقال : «تلك العزى ولن تعبد أبدا».
وقال الضحاك : هي صنم لغطفان وضعها لهم سعد بن ظالم الغطفاني ، وذلك أنه قدم مكة فرأى الصفا والمروة ، ورأى أهل مكة يطوفون بينهما ، فعاد إلى بطن نخلة ، وقال لقومه : إن لأهل مكة الصفا والمروة وليستا لكم ولهم إله يعبدونه وليس لكم ، قالوا : فما تأمرنا؟ قال : أنا أصنع لكم كذلك ، فأخذ حجرا من الصفا وحجرا من المروة ونقلهما إلى نخلة ، فوضع الذي أخذ من الصفا ، فقال : هذا الصفا ، ثم وضع الذي أخذه من المروة ، فقال : هذه المروة ، ثم أخذ ثلاثة أحجار فأسندها إلى شجرة ، فقال : هذا ربكم ، فجعلوا يطوفون بين الحجرين ويعبدون الحجارة ، حتى افتتح رسول الله صلىاللهعليهوسلم مكة ، فأمر برفع الحجارة ، وبعث خالد بن الوليد إلى العزى فقطعها (١). وقال ابن زيد : هي بيت بالطائف كانت تعبده ثقيف.
(وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى (٢٠) أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثى (٢١) تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزى (٢٢) إِنْ هِيَ إِلاَّ أَسْماءٌ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ ما أَنْزَلَ اللهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَما تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدى (٢٣))
(وَمَناةَ) ، قرأ ابن كثير بالمدة والهمزة ، وقرأ العامة بالقصر غير مهموز ، لأن العرب سمت زيد مناة وعبد مناة ، ولم يسمع فيها المد. قال قتادة : هي لخزاعة كانت بقديد.
قالت عائشة رضي الله عنها : في الأنصار كانوا يهلون لمناة ، وكانت حذو قديد. قال ابن زيد : بيت كان بالمشلل يعبده بنو كعب. قال الضحاك : مائة صنم لهذيل وخزاعة يعبدها أهل مكة. وقال بعضهم : اللات والعزى ومناة أصنام من حجارة كانت في جوف الكعبة يعبدونها.
واختلف القراء في الوقف على اللات ومناة ، فوقف بعضهم عليهما بالهاء وبعضهم بالتاء. وقال بعضهم : ما كتب في المصحف بالتاء يوقف عليه بالتاء ، وما كتب بالهاء فيوقف عليه بالهاء. وأما قوله : (الثَّالِثَةَ الْأُخْرى) ، فالثالثة نعت لمناة أي الثالثة للصنمين في الذكر ، وأما الأخرى فإن العرب لا تقول للثالثة أخرى (٢) ، إنما الأخرى هاهنا نعت للثانية. قال الخليل : فالياء لوفاق رءوس الآي ، كقوله : (مَآرِبُ أُخْرى) [طه : ١٨] ولم يقل : أخر : وقيل : في الآية تقديم وتأخير ، مجازها : أفرأيتم اللات والعزى الأخرى ومناة الثالثة ، ومعنى الآية : أفرأيتم أخبرونا أيها الزاعمون أن اللات والعزى ومناة بنات الله تعالى عما يقول الظالمون علوّا كبيرا.
وقال الكلبي : كان المشركون بمكة يقولون الأصنام والملائكة بنات الله ، وكان الرجل منهم إذا بشّر بالأنثى كره ذلك.
فقال الله تعالى منكرا عليهم : (أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثى (٢١) تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزى) (٢٢) ، قال ابن عباس وقتادة : أي قسمة جائرة حيث جعلتم لربكم ما تكرهون لأنفسكم. قال مجاهد ومقاتل : قسمة عوجاء. وقال الحسن : غير معتدلة. قرأ ابن كثير : (ضِيزى) بالهمز ، وقرأ الآخرون بغير همز.
__________________
(١) هو مرسل ذكره المصنف هاهنا معلقا عن الضحاك ، وسنده إليه في أول الكتاب.
(٢) في المطبوع «الثالثة الأخرى» والمثبت عن المخطوط وط و «تفسير القرطبي».