فَارْتَقِبْهُمْ وَاصْطَبِرْ (٢٧) وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْماءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ (٢٨) فَنادَوْا صاحِبَهُمْ فَتَعاطى فَعَقَرَ (٢٩) فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ (٣٠) إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً واحِدَةً فَكانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ (٣١))
(أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ) ، أأنزل الذكر الوحي ، (عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ) ، بطر متكبر يريد أن يتعظم علينا بادعائه النبوة ، والأشر المرح والتجبر.
(سَيَعْلَمُونَ) ، قرأ ابن عامر وحمزة : ستعلمون ، بالتاء على معنى قال صالح لهم ، وقرأ الآخرون بالياء ، يقول الله تعالى : (سَيَعْلَمُونَ غَداً) ، حين ينزل بهم العذاب. وقال الكلبي (١) يعني يوم القيامة وذكر الغد للتقريب على عادة الناس ، يقولون : إن مع اليوم غدا ، (مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ).
(إِنَّا مُرْسِلُوا النَّاقَةِ) ، أي باعثوها ومخرجوها من الهضبة التي سألوا أن يخرجها منها ، وذلك أنهم تعنتوا على صالح ، فسألوه أن يخرج لهم من صخرة ناقة حمراء عشراء ، فقال الله تعالى : (إِنَّا مُرْسِلُوا النَّاقَةِ فِتْنَةً لَهُمْ) ، محنة واختبارا لهم ، (فَارْتَقِبْهُمْ) ، فانتظر ما هم صانعون ، (وَاصْطَبِرْ) [واصبر](٢) على ارتقابهم ، وقيل : على ما يصيبك من الأذى.
(وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْماءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ) ، وبين الناقة ، يوم لها ويوم لهم ، وإنما قال بينهم لأن العرب إذا أخبرت عن بني آدم وعن البهائم غلبت بني آدم على البهائم ، (كُلُّ شِرْبٍ) ، نصيب من الماء ، (مُحْتَضَرٌ) يحضره من كانت نوبته ، فإذا كان يوم الناقة حضرت شربها ، وإذا كان يومهم حضروا شربهم ، وحضر واحتضر (٣) بمعنى واحد ، قال مجاهد : يعني يحضرون الماء إذا غابت الناقة ، فإذا جاءت الناقة حضروا اللبن.
(فَنادَوْا صاحِبَهُمْ) ، وهو قدار بن سالف ، (فَتَعاطى) ، فتناول الناقة بسيفه (فَعَقَرَ) ، أي فعقرها.
(فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ) (١٦) ، ثم بين عذابهم.
فقال : (إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً واحِدَةً) ، قال عطاء : يريد صيحة جبريل عليهالسلام ، (فَكانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ) ، قال ابن عباس : هو الرجل يجعل لغنمه حظيرة من الشجر والشوك دون السباع ، فما سقط من ذلك فداسته الغنم فهو الهشيم. وقال ابن زيد : هو الشجر البالي الذي تهشم حتى ذرته الريح ، والمعنى أنهم صاروا كيبس الشجر إذا تحطم والعرب تسمي كل شيء كان رطبا فيبس هشيما ، وقال قتادة : كالعظام النخرة المحترقة. وقال سعيد بن جبير : هو التراب الذي يتناثر من الحائط.
(وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (٣٢) كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِالنُّذُرِ (٣٣) إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ حاصِباً إِلاَّ آلَ لُوطٍ نَجَّيْناهُمْ بِسَحَرٍ (٣٤) نِعْمَةً مِنْ عِنْدِنا كَذلِكَ نَجْزِي مَنْ شَكَرَ (٣٥) وَلَقَدْ أَنْذَرَهُمْ بَطْشَتَنا فَتَمارَوْا بِالنُّذُرِ (٣٦) وَلَقَدْ راوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ فَطَمَسْنا أَعْيُنَهُمْ فَذُوقُوا عَذابِي وَنُذُرِ (٣٧) وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً عَذابٌ مُسْتَقِرٌّ (٣٨) فَذُوقُوا عَذابِي وَنُذُرِ (٣٩) وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (٤٠) وَلَقَدْ جاءَ آلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ (٤١) كَذَّبُوا بِآياتِنا كُلِّها فَأَخَذْناهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ (٤٢))
__________________
(١) تصحف في المطبوع إلى «الكلبي».
(٢) زيادة عن المخطوط.
(٣) في المطبوع «حضر» والمثبت عن المخطوط.