تحول بينك وبين أمر الله تعالى ، وأنا لا انظر إلى الشفرة فأجزع ، ففعل ذلك إبراهيم ثم وضع الشفرة على قفاه فانقلبت السكين : (وَنادَيْناهُ أَنْ يا إِبْراهِيمُ (١٠٤) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا).
وروى أبو هريرة عن كعب الأحبار وابن إسحاق عن رجاله : لما رأى إبراهيم ذبح ابنه قال الشيطان : لئن لم أفتن عند هذا آل إبراهيم لا أفتن منهم أحدا أبدا فتمثل له الشيطان رجلا وأتى أم الغلام ، فقال لها : هل تدرين أين ذهب إبراهيم بابنك؟ قالت : ذهب به يحتطبان من هذا الشعب قال : لا والله ما ذهب به إلّا ليذبحه ، قالت : كلا هو أرحم به وأشد حبا له من ذلك ، قال : إنه يزعم أن الله قد أمره بذلك ، قالت : فإن كان ربه أمره بذلك فقد أحسن أن يطيع ربه ، فخرج الشيطان من عندها حتى أدرك الابن وهو يمشي على إثر أبيه ، فقال : يا غلام هل تدري أين يذهب بك أبوك؟ قال : نحتطب لأهلنا من هذا الشعب ، قال : والله ما يريد إلّا أن يذبحك ، قال : والله ما يريد إلّا أن يذبحك ، قال : ولم؟ قال : زعم أن ربه أمره بذلك ، قل : فليفعل ما أمره به ربه فسمعا وطاعة ، فلما امتنع منه الغلام أقبل على إبراهيم عليهالسلام فقال له : أين تريد أيها الشيخ؟ قال أريد هذا الشعب لحاجة لي فيه ، قال : والله إني لأرى (١) الشيطان قد جاءك في منامك فأمرك (٢) بذبح ابنك (٣) هذا ، فعرفه إبراهيم عليهالسلام ، فقال : إليك عني يا عدو الله فو الله لأمضين لأمر ربي ، فرجع إبليس بغيظه لم يصب من إبراهيم وآله شيئا مما أراد ، قد امتنعوا منه بعون الله تعالى.
وروى أبو الطفيل عن ابن عباس أن إبراهيم لما أمر بذبح ابنه عرض له الشيطان بهذا المشعر فسابقه فسبقه إبراهيم ، ثم ذهب إلى جمرة العقبة فعرض له الشيطان فرماه بسبع حصيات حتى ذهب ، ثم عرض له عند الجمرة الوسطى فرماه بسبع حصيات حتى ذهب ، ثم أدركه عند الجمرة الكبرى فرماه بسبع حصيات حتى ذهب ، ثم مضى إبراهيم لأمر الله عزوجل قال الله عزوجل : (فَلَمَّا أَسْلَما وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ) (١٠٣).
(وَنادَيْناهُ أَنْ يا إِبْراهِيمُ (١٠٤) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (١٠٥) إِنَّ هذا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ (١٠٦))
(وَنادَيْناهُ) ، الواو في وناديناه صلة مقحمة مجازه ناديناه كقوله : (وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِ) [يوسف : ١٥] أي أوحينا فنودي من الجبل ، (أَنْ يا إِبْراهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا) ، تم الكلام هاهنا ثم ابتدأ فقال : (إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) (١٠٥) ، والمعنى : إنا كما عفونا عن إبراهيم عند ذبح ولده [كذلك](٤) نجزي من أحسن في طاعتنا ، قال مقاتل : جزاه الله بإحسانه في طاعته العفو عن ذبح ابنه.
(إِنَّ هذا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ) (١٠٦) ، الاختبار الظاهر حيث اختبره بذبح ابنه.
وقال مقاتل : البلاء هاهنا النعمة ، وهي أن فدى ابنه بالكبش ، فإن قيل : كيف قال صدقت الرؤيا وكان قد رأى الذبح ولم يذبح؟ قيل : جعله مصدقا لأنه قد أتى بما أمكنه ، والمطلوب إسلامهما لأمر الله تعالى وقد فعلا.
وقيل : كان [قد](٥) رأى في النوم معاجلة الذبح ولم ير إراقة الدم ، وقد فعل في اليقظة ما رأى في النوم ، فلذلك قال له : قد صدقت الرؤيا.
__________________
(١) في المطبوع «لا أرى» والمثبت عن المخطوط و «ط».
(٢) في المخطوط «فأمر».
(٣) في المخطوط «بنيك».
(٤) زيادة عن المخطوط.
(٥) زيادة عن المخطوط.