والجياد الخيار السراع ، واحدها جواد. وقال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما : يريد الخيل السوابق.
(فَقالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ) ، أي آثرت حب الخير [عن ذكر ربي](١) وأراد بالخير : الخيل ، والعرب تعاقب بين الراء واللام ، فتقول : ختلت الرجل وخترته ، أي : خدعته ، وسميت الخيل خيرا لأنه معقود بنواصيها الخير ، الأجر والمغنم ، قال مقاتل : يعني المال فهي الخيل التي عرضت عليه. (عَنْ ذِكْرِ رَبِّي) ، يعني عن الصلاة وهي صلاة العصر. (حَتَّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ) ، أي توارت الشمس بالحجاب أي استترت بما يحجبها عن الأبصار ، يقال : الحجاب جبل دون قاف بمسيرة سنة والشمس تغرب من ورائه.
(رُدُّوها عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ وَالْأَعْناقِ (٣٣) وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمانَ وَأَلْقَيْنا عَلى كُرْسِيِّهِ جَسَداً ثُمَّ أَنابَ (٣٤))
(رُدُّوها عَلَيَ) ، أي ردوا الخيل (٢) عليّ فردوها ، (فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ وَالْأَعْناقِ) ، قال أبو عبيدة : طفق يفعل مثل ما زال يفعل ، والمراد بالمسح القطع ، فجعل يضرب سوقها وأعناقها بالسيف ، هذا قول ابن عباس والحسن وقتادة ومقاتل وأكثر المفسرين ، وكان ذلك مباحا له لأن نبي الله لم يكن يقدم على محرم ، ولم يكن يتوب عن ذنب بذنب آخر.
وقال محمد بن إسحاق : لم يعنّفه (٣) الله على عقر الخيل إذ كان ذلك أسفا على ما فاته من فريضة ربّه عزوجل. وقال بعضهم : إنه ذبحها ذبحا وتصدق بلحومها ، وكان الذبح على ذلك الوجه مباحا في شريعته.
وقال قومه : معناه أنه حبسها في سبيل الله وكوى سوقها وأعناقها بكي الصدقة. وقال الزهري وابن كيسان : إنه كان يمسح سوقها وأعناقها بيده يكشف الغبار عنها حبا لها وشفقة عليها ، وهذا قول ضعيف ، والمشهور هو الأول.
وحكي عن علي أنه قال في معنى قوله : (رُدُّوها عَلَيَ) يقول سليمان بأمر الله عزوجل للملائكة الموكلين بالشمس (رُدُّوها عَلَيَ) يعني الشمس ، فردوها عليه حتى صلى العصر في وقتها ، وذلك أنه كان يعرض عليه الخيل لجهاد عدو حتى توارت بالحجاب.
قوله عزوجل : (وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمانَ) ، اختبرناه وابتليناه بسلب ملكه.
وكان سبب ذلك ما ذكر محمد بن إسحاق عن وهب بن منبه قال : سمع سليمان عليهالسلام بمدينة في جزيرة من جزائر البحر يقال لها صيدون (٤) بها ملك عظيم الشأن لم يكن للناس إليه سبيلا لمكانه [في البحر](٥) ، وكان الله قد آتى سليمان في ملكه سلطانا لا يمتنع عليه شيء في بر ولا بحر ، إنما يركب إليه الريح ، فخرج إلى تلك المدينة تحمله الريح على ظهر الماء. حتى نزل بها بجنوده من الجن والإنس ، فقتل
__________________
ـ وقال الحافظ في «تخريج الكشاف» ٤ / ٩١ عن الحديث المذكور : ولم أجده هكذا ، وفي غريب الحديث لأبي عبيد من حديث البراء رضي الله عنه «كنا إذا صلينا مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فرفع رأسه قمنا معه صفونا».
قلت : هو في «الغريب» ١ / ٣٧٩ بدون إسناد.
(١) زيادة عن المخطوط (أ)
(٢) في المطبوع «الجبل» والمثبت عن المخطوط.
(٣) في المطبوع «يعتقه» والمثبت عن «ط» والمخطوط.
(٤) في المخطوط «صفدون».
(٥) زيادة عن المخطوط (أ)