نعرف كيف يتدخل هذا العامل في الحافظة أو الذاكرة. ونقتطف من هذه الحوادث الحادثتين التاليتين :
أ ـ حادثة الإمام البخاري صاحب كتاب الصحيح المشهور عندما قدم بغداد : أراد بعض طلاب الحديث اختبار ذاكرته فأعدوا له (١٠) عشرة طلاب ، وكل منهم قد حفظ (١٠) عشرة أحاديث بشكل مغلوط ، وصورة الغلط هو خلطم متون الأحاديث بأسانيدها (١) ، ولما حضر الإمام البخاري وروى له الطالب الأول الأحاديث العشرة الأولى المغلوطة ، وكلما روى له حديثاً يقول الإمام البخاري لم أسمع بهذا ، فأما العلماء فقالوا للنظر في أمر هذا الرجل ، وأما الجاهلون فقالوا إن الرجل لا يعرف شيئاً!! وهكذا سرد عشرة طلاب مائة حديث مغلوط ولما انتهوا قال الإمام البخاري للطالب الأول ذكرت الحديث الفلاني وروى له الحديث بمتنه ، وذكرت أنه عن فلان وروى له السند الذي رواه الطالب ، والحديث ليس كذلك بل هو عن فلان عن فلان وصحح له الحديث ، وهكذا حتى صحح الأحاديث العشرة بحيث نقل المتون إلى أسانيدها التي تلائمها ، واستمر في تصحيحه لكل طالب حتى انتهى من المائة حديث والعجيب في هذه القصة هو أولاً حفظه المائة حديث المغلوط لمجرد سماعه لها للمرة الاولى ، ثم تصحيحه الفذ من ذاكرته الجبارة ، ويكفي أن نعلم عن هذا الإمام أنه اختار أحاديثه الصحيحة وهي في حدود (٥٠٠٠) خمسة آلاف حديث من (١٠٠) ألف حديث ، ولم يكن يكتب الحديث في صحيحه إلا بعد صلاة استخارة وكان يستيقظ في الليلة الواحدة أكثر من
__________________
(١) معنى متن الحديث كلان الرسول صلى الله عليه وسلم بذاته وأما سلسلة الرجال الذين ينقلون الحديث فهو السند مثلاً [ انما الناس كابل مائة لا تكاد تجد فيها راحلة ] هذا متن الحديث وعندما يقول الراوي حدثنا فلان عن فلان فهذا السند [ وعلى أساس من السند تقسم الأحاديث إلى أقسام عدة ].