والجواب المراد بالقائمين ذو والإقامة والملازمة على صفة مخصوصة ، وإذا أريد بالقائمين هذا فهو والعكوف مما يصح أن يعبّر بأحدهما عن الآخر ، مع أن لفظ العكوف أخص بالمقصود ؛ فيكون خصوص آية الحج بقوله : والقائمين ، لتقدم ذكر العكوف فى قوله قبل الآية (١) : (سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ) ؛ فلما تقدم ذكر العكوف متصلا بالآية وقع الاكتفاء بذلك ، وعدل عن التكرار الذى من شأن العرب العدول عنه إلا حيث يراد تعظيم أو تهويل ، نحو قوله : الحاقّة ما الحاقّة ؛ وشبه ذلك. ولما لم يقع ذكر العكوف قبل آية البقرة ولا بعدها وهو مراد لكونه أخص بالمقصود لم يكن بدّ من الإفصاح ، وكان قد قيل فى آية الحج : والقائمين ، وأغنى ذكرهم متقدما عن الإتيان به حالا منبّهة ، وأغنى قوله فى البقرة : والعاكفين عن قوله : والقائمين ؛ لأن العكوف الملازمة ؛ وهو المراد بالقيام ؛ فورد كلّ على ما يجب ويناسب. ويراد بالركوع السجود ـ المصلون. ومن قال : إن المراد بقوله : والقائمون المصلّون فوجهه أنّ ذكر العكوف قد حصل فيما تقدم ، فاكتفى به ، ولم يكن وقع قبل آية البقرة ولا بعدها ؛ فلم يكن بدّ من ذكره. وعبّر عن المصلّين بالركّع السجود. وتحصّل أنه [٢٠٧ ا] المقصود بالآيتين ، ووردتا على ما يلائم. والله أعلم.
(عَدْلٍ) : مثل ، كقوله (٢) : (أَوْ عَدْلُ ذلِكَ صِياماً). وفدية ، كقوله (٣) : (وَلا يُؤْخَذُ مِنْها عَدْلٌ). وكذا قوله (٤) : (وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لا يُؤْخَذْ مِنْها). والعدل من أسماء الله تعالى ؛ لأن أفعاله كلها عدل ؛ فقيل العدل هو الحق ؛ فكل عدل حق ، وما ليس بعدل فليس بحق.
فإن قلت : ما وجه تقديم العدل فى آية وتأخيره فى أخرى؟
__________________
(١) الحج : ٢٥
(٢) المائدة : ٩٥
(٣) البقرة : ٤٨
(٤) الأنعام : ٧٠