فيه التّرقّي من الأفعال إلى الصفات ، ثم من الصفات إلى الذات ، فهي ثلاث طبقات :
أعلاها علم الذّات ، ولا يحتملها أكثر الأفهام ، ولذلك قيل لهم «تفكّروا في خلق الله ولا تفكّروا في ذات الله». وإلى هذا التدريج يشير تدرّج رسول الله صلىاللهعليهوسلم في ملاحظته ونظره حيث قال : «أعوذ بعفوك من عقابك» فهذه ملاحظة الفعل ؛ ثم قال : «وأعوذ برضاك من سخطك» وهذه ملاحظة الصفات ؛ ثم قال : «وأعوذ بك منك» وهذه ملاحظة الذات ؛ فلم يزل يترقّى إلى القرب درجة درجة ، ثم عند النهاية اعترف بالعجز فقال : «لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك» فهذا أشرف العلوم.
ويتلوه في الشّرف علم الآخرة وهو علم المعاد كما ذكرناه في الأقسام الثلاثة وهو متصل بعلم المعرفة ، وحقيقته معرفة نسبة العبد إلى الله تعالى عند تحقّقه بالمعرفة ، أو مصيره محجوبا بالجهل. وهذه العلوم الأربعة ، أعني (١) علم الذات (٢) والصفات (٣) والأفعال (٤) وعلم المعاد ، أودعنا من أوائله ومجامعه القدر الذي رزقنا منه ، مع قصر العمر وكثرة الشواغل والآفات ، وقلة الأعوان والرفقاء ، بعض التّصانيف لكنا لم نظهره ، فإنه يكلّ عنه أكثر الأفهام ، ويستضرّ به الضعفاء ، وهم أكثر المترسّمين بالعلم ، بل لا يصلح إظهاره إلا على من أتقن علم الظاهر ، وسلك في قمع الصفات المذمومة من النفس وطرق المجاهدة ، حتى ارتاضت نفسه واستقامت على سواء السبيل ، فلم يبق له حظ في الدنيا ، ولم يبق له طلب إلّا الحق ، ورزق مع ذلك فطنة