جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا)(١) ؛ وقال صلىاللهعليهوسلم : «من عمل بما علم أورثه الله علم ما لا يعلم».
واعلم يقينا : أن أسرار الملكوت محجوبة عن القلوب الدّنسة بحبّ الدنيا ، التي استغرق أكثر هممها طلب العاجلة ، وإنما ذكرنا هذا القدر تشويقا وترغيبا ، ولننبّه به على سرّ من أسرار القرآن ، من غفل عنه لم تفتح له أصداف القرآن عن جواهره البتّة ، ثم إن صدقت رغبتك شمّرت للطّلب ، واستعنت فيه بأهل البصيرة ، واستمددت منهم ، فما أراك تفلح لو استبددت فيه برأيك وعقلك ، وكيف تفهم هذا وأنت لا تفهم لسان الأحوال ، بل تظنّ أنه لا نطق في العالم إلا بالمقال ، فلم تفهم معنى قوله تعالى (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ)(٢) ولا قوله تعالى (قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ)(٣) ما لم تقدّر للأرض لسانا وحياة ؛ ولا تفهم أنّ قول القائل : قال الجدار للوتد : لم تنقبني؟ قال : «سل من يدقّني فلم يتركني ، ورأى الحجر الذي يدقّني» ولا تدري أن هذا القول صدق وأصحّ من نطق المقال. فكيف تفهم ما وراء هذا من الأسرار؟
__________________
(١) الآية ٦٩ / من سورة العنكبوت.
(٢) الآية ٤٤ / من سورة الإسراء.
(٣) الآية ١١ / من سورة فصّلت.