الشكر على الصبر كفضل الرحمة على الغضب ، فإن هذا يصدر عن الارتياح وهزّة الشّوق وروح المحبة ، وأما الصبر على قضاء الله فيصدر عن الخوف والرّهبة ، ولا يخلو عن الكرب والضيق ، وسلوك الصّراط المستقيم إلى الله تعالى بطريق المحبّة ، وأعمالها أفضل كثيرا من سلوك طريق الخوف ، وإنما يعرف سرّ ذلك من كتاب المحبة والشّوق من جملة كتاب «الإحياء» ؛ ولذلك قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «أول ما يدعى إلى الجنة الحمّادون لله على كل حال».
والثاني : قوله تعالى (رَبِّ الْعالَمِينَ) إشارة إلى الأفعال كلها ، وإضافتها إليه بأوجز لفظ وأتمّه إحاطة بأصناف الأفعال لفظ ربّ العالمين ، وأفضل النسبة [من] الفعل إليه نسبة الرّبوبيّة ، فإن ذلك أتمّ وأكمل في التعظيم من قولك أعلى العالمين وخالق العالمين.
(٤) وقوله ثانيا : (الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) إشارة إلى الصفة مرة أخرى ، ولا تظنّ أنه مكرر ، فلا تكرّر في القرآن ، إذ حدّ المكرّر ما لا ينطوي على مزيد فائدة ؛ وذكر «الرحمة» بعد ذكر العالمين وقبل ذكر «مالك يوم الدين» ينطوي على فائدتين عظيمتين في تفضيل مجاري الرحمة :
إحداهما : تلتفت إلى خلق ربّ العالمين : فإنه خلق كلّ واحد منهم على أكمل أنواعه وأفضلها ، وآتاه كلّ ما يحتاج إليه ، فأحد العوالم التي خلقها عالم البهائم ، وأصغرها البعوض والذباب